هل حمل فيديو “منشأة العماد 4” رسالة من “حزب الله” بأن الرد الحتمي قادم؟

خاص النشرة: 19-8-2024

لم تخف مصادر سياسية لبنانية لـ”النشرة” مخاوفها من احتمال اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل و”حزب الله” وفي منطقة الشرق الأوسط برمّتها، لسببين، الأول التعنّت الإسرائيلي ورفض وقف إطلاق النار في غزة والثاني الهروب إلى الأمام نحو الحرب تحت ذرائع مختلفة.

وتوضح المصادر، أن إسرائيل عمدت إلى توسيع دائرة العدوان من خلال اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران (31 تموز 2024) واغتيال القائد الجهادي في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت (30 تموز 2024) حيث كسرت قواعد الاشتباك المعمول بها ضمنا.

ومع توعد كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية و”حزب الله” برد حتمي على جريمتي الاغتيال في الوقت المناسب بعيدا عن الارتباط بأيّ تطورات سياسية، بدا السباق محموما بين المساعي الدبلوماسية ومنع إنزلاق المنطقة إلى حرب مفتوحة، على ضوء المفاوضات التي جرت في الدوحة لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بين إسرائيل و”حماس” برعاية قطرية، أمريكية ومصرية وإشاعة اجواء إيجابية وبين انتظار رد إيران و”حزب الله”.

مدينة تحت الأرض

ويؤكد خبراء عسكريون أنّ نشر “حزب الله” لجانب من ترسانته العسكريّة عبر مقطع فيديو مصور بعنوان “جبالنا خزائننا” وفيه منشأة لإطلاق الصواريخ باسم “العماد 4″، والذي تضم عدداً من الراجمات الصاروخية والتجهيزات العسكرية، والمشيّدة في أنفاق ضخمة تحت الأرض جاء بمثابة رسالة حاسمة بأنّ الرد اقترب من جهة وأنّ الحزب على جهوزيّة واستعداد لصدّ أيّ عدوان إسرائيلي.

وفق الخبراء أنفسهم، فإنّ اللافت في نشر الفيديو أنّه جاء في ذروة الحراك الدبلوماسي المكثّف إلى لبنان، عقب زيارات كل من الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ووزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، تزامنا مع زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي واستمرار مفاوضات الدوحة.

كما أنّ اللافت، معاودة الحزب الكرة مجدّدا مثلما فعل في المرّة السابقة، إذ خلال زيارة هوكشتاين إلى لبنان في 9 تموز الماضي، نشر للمرة الثانية مَشاهد تُظهر مواقع عسكرية وأمنية إسرائيلية في الجولان السوري المحتل في رسالة رد على ما نقله من تهديد إسرائيلي بحرب ضد لبنان. لكن هذه المرة أضاف إلى معادلة الردع… أنّ الرد آت حتماً وهو وفق ما أكّده الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله “أن بيننا الليالي والأيام ‏والميدان”.

وكشف الفيديو الذي تبلغ مدته أربع دقائق، عن منشأة تحمل الرقم 4، يعني أن المقاومة لديها أكثر من هذه المنشأة، وما عرض هو القليل مما تملكه وربما تكشف لاحقا عن حلقات أخرى من هذه السلسلة التي يعلن عنها للمرة الأولى بعد “الهدهد” 1 و2، فضلا عن إظهار القدرات الصاروخية للمقاومة، وما لديها من سرّية عمليّة لا يمكن اكتشافها، وما تؤدّي إليه الأنفاق إلى حماية كاملة لهذه المنظومات.

كما كشف الفيديو أن هذه المنشآت تتمتع بسرية ومتانة تحصيناتها، ويظهر مدى الراحة العملياتية التي يعمل فيها المقاومون تحت الأرض في المنشأة التي هي بحجم مدينة، وليس معلوماً أين تبدأ وأين تنتهي وبماذا تتصل، مما يسمح بتحييد قدرات حزب الله الصاروخية عن أي ضربة استباقية إسرائيليّة. ناهيك عن كونها التأكيد لتصريح السيد نصر الله، بأن “صواريخ المقاومة تغطي كامل الأراضي الفلسطينية، من كريات شمونة إلى ايلات”.

منشأة عسكرية ورسائل

بينما يقول محللون سياسيون لـ”النشرة”، أن منشأة “العماد 4” حملت رسائل كثيرة أبرزها:

-عدم خشية “حزب الله” من الذهاب إلى الحرب، بل إظهاره جهوزيته الكاملة لخوضها.

-إظهار فشل إستراتيجية إسرائيل وضرباتها الإستباقية في سوريا لمنع وصول السلاح المتطور للحزب.

-قدرات الحزب الصاروخيّة محصّنة ومحميّة وقادرة على خوض مواجهة طويلة.

-عرضها لجزء من قدرات وامكانات الحزب في يتعلق بالصواريخ الدقيقة.

ويؤكد المحلل السياسي الدكتور علي مطر لـ”النشرة”، أن ما عرضته المقاومة الإسلامية شكل مفاجأة للجميع في لبنان، إذ أنها المرة الأولى التي نشهد فيها عمل ضخم وكبير ومُتقن، الجميع يعلم ما تملك من قدرات هائلة وأن لديها منشآت كبيرة، ولكن هذه المنشأة أظهرت أن هناك عمل جبار وهي تشبة المدينة ولكن تحت الأرض في جبل.

ورأى الدكتور مطر، أن الرسائل من وراء عرض الفيديو كثيرة ومنها أن المقاومة تملك ترسانة سلاح وأنها جاهزة للدفاع عن لبنان ضد أي اعتداء من العدو الإسرائيلي وفق قدراتها العسكرية الهائلة، وهي لم تتأثر من الاستهدافات، ولم تخرج كل ما تملك بل القليل منها والتي استعملتها في الفترة الماضية وخاصة الصاروخية والمسيرات.

واعتبر أن هذه المنشأة العسكرية هي إظهار لقدرة المقاومة الصاروخية والتي لم تستخدم حتى الآن، وإن لديها سرية عملياتية ولا يمكن إكتشافها بحيث أنها منشأة داخل جبل وتؤدي إليها أنفاق لتأمين الحماية الكاملة لهذه المنظمومات، وبالتالي هناك درجة أمان كبيرة حولها وحتى لو حاول العدو الإسرائيلي إستهدافها فإنه لن يستطيع النيل منها وتدميرها.

ردع وجهوزية

ووفق الدكتور مطر، فإن تسمية “العماد 4″، له دلالة واضحة على أن لديها أعداد أكثر قبل وربما بعد، في وقت اكتسب النشر أهمية خاصة في ظل المفاوضات الجارية في الدوحة لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، وبعد زيارة الموفدين الأميركي والفرنسي إلى بيروت، وبالتالي فإنها رسائل عما تملك من سلاح، وفي الوقت نفسه دعوة إلى العدو الإسرائيلي كي يحسب ألف حساب، في حال فكر بشن عدوان على لبنان تؤدي إلى حصول حرب.

وأكد أن ما جرى رسالة ردع حاسمة تؤكد على القدرة العسكرية والجاهزية لدى المقاومة، وأن الأمور ستكون كارثيّة على الكيان الإسرائيلي في حال ارتكب حماقة، فالمقاومة لا تريد الحرب وقد أعلنت عن ذلك أكثر من مرة، وبأنّ جبهة الجنوب هي إسناد لغزّة، ولكن في الوقت نفسه هي جاهزة لصدّ أي عدوان وإلحاق الخسائر بإسرائيل في مختلف المجالات، مشيرا إلى أنّ مسارعة المقاومة بفتح جبهة الجنوب منع حصول عدوان على لبنان وفق ما قال وزير الحرب الإسرائيلي بعد أيام على عملية “طوفان الأقصى”.

واعتبر الدكتور مطر، أن رسالة الردع الحاسمة لا تعني على الإطلاق أن رد حزب الله على اغتيال قائده الجهادي الكبير فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت لن يأتي… بل على العكس، وإنما هي مسألة وقت كما قال السيد حسن نصر الله بأنه “بيننا الليالي والأيام والميدان” للتأكيد على إعادة رسم قواعد الإشتباك من جديد وأنه بيدها أيضا المبادرة وأن اغتيال القادة لا يعني تأثر المقاومة بل تبني مساراتها وترتب أمورها وأنها جاهزة لكل السيناريوهات والخيارات وأن الردع لا يزال موجودا رغم خرق قواعد الاشتباك.

قراءة إسرائيلية

بالمقابل، اعتبرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن فيديو “عماد 4” الذي نشره حزب الله من داخل الأنفاق يشكل تحذيراً استثنائياً بل تهديدا جديدا، ويظهر قدرته على إخفاء أسلحته المتطورة وتخزينها في شبكات تحت الأرض، مما يزيد من صعوبة استهدافها ويجعل إطلاقها تحدياً أكبر للجيش الإسرائيلي.

وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إنّ “حزب الله أصدر فيديو غير عادي، شاحنات تحمل صواريخ داخل أنفاق ضخمة.” “يبدو أنّها مجهزة بأجهزة كمبيوتر وإضاءة وحجم وعمق يسمح بسهولة بمرور الشاحنات وبالطبع الدراجات النارية، وتظهر رحلة عبر أحد الأنفاق، لتكشف عن متاهة طويلة ومضيئة تحت الأرض حيث تمر الشاحنات المرقمة واحدة تلو الأخرى دون انقطاع”.

بينما قالت صحيفة “معاريف” إنّه “عندما تشتد رياح الحرب ويسود التوتر في”إسرائيل” تحسبًا لرد محتمل من حزب الله، فإن المنظمة لا تنتظر وتنشر فيديو يكشف عن منشأة جديدة تحت الأرض “عماد 4″ تضم أنفاقًا ضخمة تنطلق منها الصواريخ.” أنّ “حزب الله يكشف لأول مرة عن مدينته تحت الأرض، شاحنات جاهزة لإطلاق الصواريخ.”

معلومات ذات إرتباط

في 18 حزيران 2024، نشر حزب الله للمرة الاولى مقطعاً مصوراً عبر طائرة مُسيرة أطلق عليها “الهدهد” إخترقت الأجواء الإسرائيلية والتقطت صوراً لمواقع إستراتيجية وحساسة في حيفا، شمال فلسطين المحتلة.

في 9 تموز 2024، عاد الحزب ونشر للمرة الثانية مَشاهد تُظهر مواقع عسكرية وأمنية إسرائيلية في الجولان السوري المحتل، وتضمنت مشاهد استطلاع جوي لقواعد استخبارات ومقرات قيادية ومعسكرات حساسة وإستراتيجية.

في 30 تموز 2024، اغتالت “إسرائيل” القائد الجهادي الكبير في “حزب الله” السيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، تحت ذريعة الرد على استهداف مجدل شمس” في الجولان السوري المحتل، ورغم نفي “حزب الله” مرارا وتكرارا مسؤوليته عن إطلاق أي صاروخ.

في 31 تموز 2024، وبعد ساعات قليلة، اغتالت “إسرائيل” رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، وقد توعدت إيران بالانتقام من “إسرائيل” على جريمتها البشعة بعد يوم على تنصيب الرئيس الجديد مسعود پزشکیان بعد مشاركة هنية فيه.

وكانت في 2 كانون الثاني 2024، اغتالت “إسرائيل” نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، في أول استهداف لمعقل “حزب الله”، منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” في غزة في 7 تشرين الأول 2023 وفتح جبهة الجنوب إسنادا لغزة في 8 منه، أي بعد يوم واحد فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى