ما رسالة إسرائيل باغتيالها خليل المقدح في صيدا؟

صيدا- أقدمت إسرائيل على اغتيال العميد خليل المقدح، أحد قادة كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، وهو شقيق اللواء منير المقدح، عضو قيادة الساحة في الحركة، في عملية استهدفت سيارته من نوع “رانج روفر” عبر طائرة مسيرة في صيدا.

وتعد هذه العملية الأولى التي تستهدف قائدا من حركة فتح في لبنان، والثانية في مدينة صيدا بعد اغتيال القيادي في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، سامر الحاج، في منطقة حسبة صيدا في التاسع من أغسطس/آب الحالي.

وتتهم إسرائيل المقدح بدعم وتسليح كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية، مما دفعه لاتخاذ إجراءات أمنية مشددة والابتعاد عن الأنظار، حيث انقطع التواصل معه عبر الهاتف بعد أشهر قليلة من عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وقالت مصادر أمنية لبنانية للجزيرة نت، إن المقدح كان يقود سيارته في منطقة الفيلات عندما استهدفته طائرة إسرائيلية مسيّرة بصاروخين موجهين، فانفجر الأول بالقرب منه، بينما أصابه الثاني بشكل مباشر، ما أدى إلى استشهاده واحتراق سيارته وأخرى تصادف مرورها في المكان، دون تسجيل إصابات.

وأفادت المصادر الأمنية أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية لم تغادر سماء صيدا ومخيماتها الفلسطينية منذ يومين، حيث تحلق بشكل مستمر وعلى ارتفاع متوسط، في إطار مراقبة دائمة.

تصعيد مستمر

بعد ساعة من عملية الاغتيال، نعى اللواء منير المقدح شقيقه خليل في بيان، واصفًا إياه بأحد قادة كتائب شهداء الأقصى في لبنان، ومشيرًا إلى أنه استشهد أثناء قيامه بواجبه النضالي ضمن معركة طوفان الأقصى.

وأشاد المقدح بالدور الكبير لشقيقه في “دعم خلايا المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني على مدى سنوات طويلة في الضفة الباسلة”، وأكد أن كتائب شهداء الأقصى ستظل ثابتة على درب الثورة والمقاومة حتى التحرير والعودة.

وفي سياق متصل، شن الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة غارات جوية على سهل البقاع شرقي لبنان بعد منتصف ليل أمس الثلاثاء، وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية أن الغارات أسفرت عن استشهاد شخص وإصابة 20 آخرين.

ومن جهته، شن حزب الله غارات صاروخية مكثفة استهدفت مواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل، بالإضافة إلى قصف تجمع لجنود الاحتلال في ثكنة “زرعيت” على الحدود الجنوبية للبنان.

وفي بيان صادر عن الحزب، أكد أن المقاومين قصفوا قاعدة “تسنوبار” اللوجستية في الجولان المحتل برشقات من صواريخ “كاتيوشا”، ويُعتبر هذا الاستهداف الثاني للقاعدة التي تقع على بعد 18 كيلومترًا من الحدود اللبنانية، منذ بدء المواجهات بين حزب الله وإسرائيل.

غتيال الفلسطيني خليل المقدح، شقيق المسؤول القيادي في حركة فتح اللواء منير المقدح، الذي اتهمته إسرائيل بدعم كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية بفلسطين.
عملية الاغتيال تعد الثانية من نوعها خلال الشهر الحالي في مدينة صيدا بلبنان (الجزيرة)

محاولات استباقية

يشير الدكتور في العلاقات الدولية والمحلل السياسي، علي مطر، للجزيرة نت، أن المرحلة الحالية تشهد تصعيدا تدريجيا ومتصاعدا في جبهة لبنان، “ورغم أننا لا نزال دون عتبة الحرب الشاملة، وأن إسرائيل هي التي بادرت بهذه الخطوات، إلا أن الوقائع تشير إلى أن المقاومة في لبنان ترد بالمقابل عبر استهداف مستوطنات وثكنات وقواعد عسكرية جديدة، مما يعكس تصاعدا متوازيا في مستوى الردع”.

وفي إطار التحليل للوضع الحالي، رأى مطر أن الردع بين الطرفين بات مرنا إلى حد ما، حيث تتشكل قواعد الاشتباك بناء على الضربات المتبادلة، وهو ما يدفع إسرائيل إلى تصعيد المواجهة عبر استهداف العمق اللبناني واغتيال شخصيات بارزة، مثل عملية اغتيال المقدح الأخيرة.

وتوقع مطر أنه على الرغم من هذه التصعيدات، فإن المشهد سيظل متوازنا إلى حد ما، حيث لا يبدو أن أي طرف يسعى فعليا إلى فتح حرب شاملة. وفي نفس الوقت، لا يعني ذلك أن المقاومة فقدت زمام المبادرة، فهي تستمر في ردع العدو عبر إرادتها في القتال والرد على كل اعتداء، مهما كانت تكلفته، حسب ما يرى المحلل.

ولفت مطر إلى أن إسرائيل تنفذ محاولات استباقية لردع المقاومة في لبنان عن الرد على اغتيال القائد فؤاد شكر، كما تقوم بمحاولات استطلاع بالنيران بهدف كشف قدرات المقاومة وأهدافها المحتملة إذا ما اتجهت الأمور نحو تصعيد شامل، بالإضافة إلى استهداف الشخصيات الداعمة للمقاومة في غزة.

ويرى المحلل السياسي أن ذلك يعكس مدى تأثير جبهة لبنان على استنزاف الجيش الإسرائيلي وتشتيت تركيزه عن هدفه الأساسي في غزة، وهو القضاء على المقاومة هناك.

مرحلة جديدة

في الوقت نفسه رأى الخبير في الشؤون الإسرائيلية علي حيدر أن العدو لم يخفِ قراره برفع مستوى التصعيد على الجبهة اللبنانية، حيث أعلن وزير الأمن يوآف غالانت أن “مركز الثقل ينتقل تدريجيا من الجنوب إلى الحدود الشمالية مع لبنان”.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال حيدر إن تصريح غالانت يعكس قرار قيادة العدو بتكثيف سياساتها العدوانية، والتي تشمل عادة توسيع النطاق الجغرافي للأهداف وزيادة الكثافة النارية وتنوع الوسائل المستخدمة، حيث يرى أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة تأتي في إطار هذا القرار، الذي لا يمكن فصله عن المتغيرات السياسية والميدانية.

ويقول حيدر إن “العدو يسعى لمواجهة التحديات على جبهة لبنان من أجل الاستفراد بجبهة غزة، مما يدفعه لمزيد من الضغط في هذا الاتجاه، كما أن لديه مطالب تتعلق بوجود حزب الله جنوب نهر الليطاني، وهو ما يعتبره تهديدا لمناطقه الشمالية، ويسعى إلى توسيع حريته العملياتية في مواجهة أي تهديد قد يتشكل على الساحة اللبنانية”.

وبخصوص سياق العملية، اعتبر الخبير أن هذه الاعتداءات تحمل أهدافا خاصة، حيث سبق أن أشار غالانت إلى أن الهجمات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في عمق لبنان هي “استعداد لأي تطورات قد تحدث”، في إشارة إلى احتمالية رد حزب الله على اغتيال قائده  شكر.

ورغم أن إسرائيل تسعى لتقديم هذه الضربات كخطوة استباقية، فإن الواقع يشير إلى أن تأثيرها على قرار حزب الله بالرد سيكون محدودا، فهي قد لا تحقق سوى إيصال رسالة مفادها أن إسرائيل ستوسع نطاق ردودها على أي رد من حزب الله، وفق ما يرى الخبير.

وفيما يتعلق بالاغتيال في صيدا، أكد حيدر أنه يندرج ضمن إطار التصعيد على المستويين الجغرافي ونوعية الأهداف، ما يعني أن الكوادر والمسؤولين الفلسطينيين المشاركين في المقاومة باتوا ضمن دائرة الاستهداف الإسرائيلي، وهو ما يعكس رسالة واضحة بأنهم لم يعودوا بمأمن في أي مكان.

وختم حيدر أن المواجهة في الساحة اللبنانية، سواء فيما يتعلق بالمقاومة اللبنانية أو الفلسطينية، دخلت مرحلة جديدة، ومن المتوقع أن تشهد هذه المرحلة تصعيدًا متزايدًا في إطار تبادل الضربات، ومن المؤكد أن يتضح ذلك أكثر عندما ينفذ حزب الله رده، والذي من المحتمل أن يشكل منعطفًا رئيسيًا في هذه المواجهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى