أحلام على محك الغربة.. تحديات التعليم في حياة الأطفال السوريين
مع بداية كل عام دراسي جديد، تُفتح دفاتر الأمل وتُخط حكايات لاجئين سوريين خُطت أقدارهم بعيدا عن وطنهم.
في بلاد الغربة، حيث تبدو الحياة أكثر قسوة وصعوبة، يواجه آلاف الأطفال السوريين تحديا جديدا، ليس فقط في التأقلم مع بيئة جديدة أو لغة غريبة، بل في محاولة الإمساك بخيوط التعليم وسط ظروف اقتصادية ونفسية ضاغطة.
بالنسبة لعائلات اللاجئين، لا تنتهي معاناة اللجوء عند تأمين الطعام والمسكن، بل تمتد إلى فصول الدراسة التي تُعد إحدى أصعب المعارك في مسار التكيف مع حياة المهجر. فكيف لأبناء اللاجئين أن يرسموا مستقبلهم وسط تلال من الحواجز اللغوية والثقافية؟ وكيف للأهل أن يحلموا بمستقبل أفضل لأبنائهم في وقت يكاد الحاضر نفسه يغيب في ظل أزمات لا تنتهي؟
بين ثنايا هذه التحديات المتشابكة، يظل التعليم أملا مشتركا لعائلات اللاجئين السوريين الذين يبحثون عن وسيلة لتأمين مستقبل أبنائها في بيئة جديدة. وفي ما يلي، تستعرض “الجزيرة نت” نظرة على واقعهم وتحدياتهم المستمرة هذا الطريق.
اللاجئون السوريون في لبنان: بين التعليم المؤجل والتحديات القانونية
في ركن من منزلها المتواضع في صيدا، تجلس عليا القاسم بصمت تراقب ابنتها فرح وهي تحاول كتابة حرف جديد. الدموع في عينيها تعبر عن قسوة رحلة اللجوء التي خاضتها منذ وصولها إلى لبنان هربا من الحرب في سوريا. بصوت متهدج مكسور تقول للجزيرة نت “كل شيء في حياتنا مؤجل، حتى تعليم أطفالي”.
واجهت عليا صعوبات كبيرة منذ وصولها إلى لبنان لاجئة، أبرزها محاولة تسجيل ابنتها في المدرسة. فتأخر وصول الأوراق الثبوتية من سوريا حرم فرح من التسجيل في الوقت المحدد، تاركا مستقبلها الدراسي مجهولا. وبعد انتظار طويل، وصلت الأوراق، لكن فرحتها تبددت عندما قوبلت بالرفض لأن عمر ابنتها فرح لا يتناسب مع الصف المتاح لها، حسب القانون اللبناني.
العقبات لم تتوقف عند هذا الحد، فعليا اصطدمت بتحد آخر عند محاولة تسجيل ابنتها الثانية المولودة في لبنان، إذ طلب منها تصريح إقامة. بحسرة تسأل “كيف أحصل على إقامة وأنا مهددة بالترحيل في أي لحظة؟”، زيارتها للأمن العام لاستخراج الإقامة قد تحمل معها كابوس الترحيل.
أمام هذه التحديات، لم تجد عليا سوى اللجوء إلى جمعيات غير رسمية لتعليم أطفالها، حيث يتعلمون القراءة والكتابة فقط دون شهادات معترف بها. شعور بعدم الاستقرار يظل يلاحق عائلتها، ويجعل مستقبل أطفالها معلقا حتى إشعار آخر.
وقصة محمود، وهو طالب بكالوريا من فلسطينيي سوريا المقيمين في لبنان ويعيش في مخيم نهر البارد، لا تختلف في تفاصيلها كثيرا عن فرح، فقد نجح في امتحانات الشهادة الرسمية بتقدير جيد جدا. لكن، عند محاولته استلام شهادة الثانوية من وزارة التربية اللبنانية، واجه مشكلة كبيرة، فقد رفض تسليمه الشهادة بسبب عدم حيازته إقامة شرعية في لبنان.
وكان لهذا الرفض تأثير كبير على مستقبله الأكاديمي، إذ لم يتمكن من التسجيل في الجامعة بسبب عدم وجود شهادة مصدقة. محمود عبّر عن إحباطه العميق، وأوضح أن سنوات تعليمه لم تثمر بسبب هذا العائق، مما جعله يشعر بأن جهوده الدراسية ذهبت سدى.
(حسام ح)، طالب دبلوم في معهد العلوم الاجتماعية بالجامعة اللبنانية، يتشارك في المعاناة نفسها بعدما رفض طلب الاسترحام لاستخراج إقامة، يقول بحسرة “سنوات من الدراسة ذهبت هباء بسبب عدم حصولي على إقامة”. أحلامه الدراسية باتت مهددة وسط قوانين قاسية تفرض قيودا على حياة اللاجئين السوريين.
وهذه التعقيدات القانونية في لبنان تزداد مع مرور الوقت، مما يقيد حركة الطلاب ويعرقل مسارهم التعليمي. مصدر مطلع على الملف التعليمي للاجئين السوريين أوضح للجزيرة نت أن الأمور كانت أبسط في البداية، إذ كان يكفي تقديم بطاقة تعريفية أو وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة لتسجيل الطلاب في المدارس.
ويضيف المصدر لكن مع تزايد أعداد اللاجئين، باتت الدولة اللبنانية تشدد الإجراءات، خصوصا على الأطفال المولودين في لبنان والذين يفتقرون لأوراق رسمية. الأمر ازداد تعقيدا عندما أصبح التسجيل في المدارس مشروطا بوجود إقامة شرعية، مما جعل آلاف الأطفال محرومين من التعليم.
وفي ظل هذه الأوضاع، اضطرت بعض العائلات لتسجيل أبنائها في دوام بعد الظهر كتدبير مؤقت، لكن غياب الأوراق الثبوتية يحرمهم من الحصول على شهادات تعليمية رسمية. ورغم الوعود الحكومية لضمان التعليم للجميع، وفقا للمصدر، يظل مستقبل آلاف الأطفال السوريين معلقا، مع حوالي 16 ألف طالب يتابعون دراستهم في برامج مؤقتة.
ويقدر عدد الطلاب السوريين في المدارس الرسمية بنحو 331 ألفا و269 طالبا، و14 ألفا و381 طالبا في التعليم الخاص المجاني و7042 طالبا في التعليم الخاص المدفوع، بجانب 1208 طلاب في مدارس الأونروا. ويستفيد حوالي 260 ألف طالب من التعليم في المدارس الرسمية خلال فترة ما بعد الظهر، بتمويل من المنظمات الدولية، وفقا لتقرير شركة الدولية للمعلومات.
بلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا تحت بند “الحماية المؤقتة” 3 ملايين و96 ألفا و157 شخصا، بحسب أحدث البيانات الصادرة عن إدارة الهجرة التركية.
ووفقا لتقرير صادر عن وزارة التعليم التركية، فإن عدد الطلاب السوريين في سن الدراسة المدرسية يصل إلى مليون و30 ألف طالب، إلا أن 65% فقط منهم يتلقون تعليما مدرسيا، ما يعادل حوالي 730 ألف طالب، في حين يبقى أكثر من 400 ألف طفل خارج إطار التعليم المدرسي.
وكشفت دراسة أجراها مركز الحوار السوري أن نسبة التسرب لدى الطلاب السوريين في المدارس الثانوية تتراوح بين 20% و29.1%، فيما تعد النسبة الأدنى في المدارس الابتدائية حيث تتراوح بين 11.2% و24.9%.
أما بالنسبة للتعليم الجامعي، فقد لاحظ التقرير أن نسبة اهتمام السوريين بإكمال دراستهم الجامعية في تركيا لا تزال منخفضة، حيث لا تتجاوز نسبة الملتحقين بالتعليم الجامعي 13.5% من الفئة العمرية بين 19 و24 عاما. ويعزى ذلك إلى ارتفاع معدل التسرب من المرحلة الثانوية، إضافة إلى قلة المنح الدراسية المتاحة. ونتيجة لذلك، يلجأ معظم الشباب السوريين إلى سوق العمل بدلا من استكمال تعليمهم.
ويروي عبد القادر رائد، وهو لاجئ سوري في تركيا، يعيش قصة كفاح يومية لتأمين تعليم أبنائه الثلاثة وسط ظروف معيشية صعبة، لـ”الجزيرة نت”، كيف يعمل بوظيفتين، خياطا وسائقا خاصا، لتغطية نفقات أسرته، إلا أن العبء يزداد مع بداية كل عام دراسي، رغم أن التعليم في المدارس الحكومية مجاني.
فتكاليف المستلزمات المدرسية ارتفعت بشكل كبير بفعل التضخم المستمر في تركيا، ناهيك عن “التبرعات” التي تطلبها المدارس وتصل إلى 1500 ليرة تركية لكل طالب، مما يضيف ضغوطا إضافية على ميزانية الأسرة.
إلى جانب التحديات المالية، يواجه عبد القادر صعوبة أخرى تتمثل في اندماج أطفاله في المدارس التركية. فيقول “أطفالي يعانون من صعوبة في التأقلم بسبب كونهم سوريين ولا أخفيك سرا بأنهم باتوا يخافون أن يعرف زملائهم في الفصل أنهم من سوريا، بالإضافة إلى تحدي الدراسة باللغة التركية الذي يتطلب جهودا كبيرة من الطلاب والأهل”، مؤكدا عدم قدرته على توفير دروس خصوصية لدعمهم.
ونظرا لهذه الظروف، بات يفكر في خيار تسجيل ابنه الأكبر في التعليم المفتوح، الذي لا يتطلب الحضور اليومي، ليتمكن من العمل بجانب الدراسة والمساهمة في نفقات الأسرة. ويضيف: “كثير من العائلات السورية التي أعرفها اتخذت هذا الخيار بسبب ضغوط الحياة”.
نقص الموارد يعيق تحسين تعليم اللاجئين السوريين في الأردن
منذ اندلاع أزمة اللجوء السوري، حظي تعليم اللاجئين السوريين في الأردن باهتمام كبير، إلا أن التحديات التعليمية بدأت بالظهور مع مرور الوقت. وفي هذا السياق، تؤكد مسؤولة التعليم في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، زينة جدعان، في حديثها مع الجزيرة نت أن “التعليم الأساسي والجامعي الشامل يشكل نافذة الأمل للاجئين السوريين في الأردن”.
وأشادت جدعان بالدور الريادي للأردن في تقديم نموذج للتعليم الشامل والعادل للاجئين السوريين، مشيرة إلى أن المملكة فتحت أبوابها لهم منذ بداية الأزمة السورية، ووفرت لهم فرص التعليم في المراحل الابتدائية والثانوية. كما شهد التعليم العالي تحسنات ملحوظة في السنوات الأخيرة، مما زاد من فرص اللاجئين للوصول إلى الجامعات.
وبشأن التحديات التي تواجه شباب اللاجئين السوريين في الأردن، أكدت مسؤولة التعليم في مفوضية شؤون اللاجئين أن “هناك العديد من التحديات التي تواجه الشباب اللاجئين الذين يرغبون في الوصول إلى فرص التعليم العالي، والتدريب المهني، أهمها العدد المحدود جدا من الفرص الدراسية المتاحة سواء داخل الأردن أو خارجها، بالإضافة إلى تكلفة التعليم العالية إذ يتعين على اللاجئين السوريين دفع الرسوم الأعلى المطبقة على الطلاب الدوليين رغم تخرجهم من المدارس الحكومية الأردنية واجتيازهم لامتحانات الثانوية العامة”.
وأضافت جدعان أن قرارات وزارة التربية والتعليم في الأردن، واتباع السياسية المرنة والواضحة فيما يتعلق بالوثائق والإعفاءات من دفع رسوم الجامعات للاجئين زادت من معدلات التحاق اللاجئين بالمدارس وانخفاض معدلات التسرب، كما لعب هذا دورا وقائيا ضد عمالة الأطفال، وزواج الأطفال.
وأشارت إلى أن “المفوضية قادت بالتعاون مع جامعة اليرموك أول مناقشة وطنية هدفت إلى زيادة تسجيل الشباب اللاجئين السوريين في التعليم العالي إلى نسبة 15% بحلول عام 2030، من خلال التزام بعض الجامعات الخاصة والكليات التقنية والمهنية بتسهيل التعليم العالي الشامل للاجئين إما بتقديم منح دراسية أو خصومات تصل إلى 60% للشباب من اللاجئين السوريين”.
مؤكدة أن جهود وزارة التعليم العالي وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي ساعدت في تأسيس تحالف التعليم العالي في الأردن هذا العام، وهو التحالف الذي ضم 17 جهة معنية بالتعليم العالي ملتزمة بتسهيل وصول اللاجئين إلى التعليم العالي والتعليم الفني والمهني.
ولفتت جدعان إلى أن ضرورة تسجيل السوريين في مفوضية شؤون اللاجئين للحصول على بطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية “الهوية الممغنطة”، كشرط أساسي يستفيد من خلاله الطالب السوري من التعليم المجاني في الأردن.
وكانت دراسة، نشرت حديثا بعنوان “النزوح القسري والتعليم: بناء الأدلة على الحلول الناجحة” ، قد أكدت أن مفوضية شؤون اللاجئين أنفقت 2.56 مليون دولار على التعليم في الأردن عام 2021، وهو مبلغ “منخفض نسبيا بالنسبة للعدد الكبير من الطلبة اللاجئين”، وفق الدراسة.
وأفادت الدراسة -أعدها البنك الدولي بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والوكالة البريطانية للتنمية الدولية- بأن ميزانية التعليم الحكومية في الأردن تمثل 3.0% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تُعد منخفضة مقارنة بالبلدان الأخرى ذات الدخل المتوسط الأعلى والتي تستقبل تدفقات كبيرة من اللاجئين.
وكان وزير التربية والتعليم الأردني، عزمي محافظة، قد أعلن أن عدد الطلاب السوريين الذين يتلقون التعليم في المدارس الأردنية بلغ 164 ألف طالب وطالبة. وفي السياق ذاته، أوضح المتحدث الإعلامي لوزارة التعليم العالي أن عدد الطلاب السوريين في الجامعات الأردنية وصل إلى 6139 طالبا وطالبة، موزعين على مختلف التخصصات والمستويات الأكاديمية في جميع مؤسسات التعليم العالي.
ويتلقى الطلبة اللاجئون السوريون في الأردن تعليمهم في المدارس الحكومية، حيث يدرس حوالي نصفهم في مدارس مسائية خصصتها وزارة التربية والتعليم لتخفيف الضغط عن المدارس النهارية ومنع الاكتظاظ في الصفوف. وتتركز هذه المدارس المسائية بشكل رئيسي في العاصمة عمان ضمن إقليم الوسط، ومحافظة إربد في إقليم الشمال، حيث يقيم في هاتين المحافظتين نحو نصف إجمالي اللاجئين السوريين في المملكة، وهو ما يعادل حوالي ثلثي اللاجئين المقيمين خارج المخيمات.
وكشفت مصادر مطلعة أن الحكومة الكندية أبلغت الأردن مؤخرا أنها لن تقدم المخصصات المالية المعتادة لدعم برامج التعليم والمدارس الخاصة بأبناء اللاجئين السوريين للعام الدراسي المقبل 2024-2025. ويأتي هذا القرار في وقت يُعتبر فيه الأردن ثالث أكبر دولة مضيفة للاجئين السوريين.
وتخشى السلطات الأردنية أن يكون هذا القرار الكندي مقدمة لتراجع دول غربية أخرى عن تقديم الدعم المخصص لبرامج تعليم اللاجئين السوريين في المدارس الحكومية الأردنية، وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على ما لا يقل عن ربع مليون طالب ولاجئ سوري يعتمدون على هذه البرامج.