لأونروا تعلن بدء العام الدراسي الجديد في تشرين الأول المقبل… بين التحديات والاعتراضات

الإثنين 16 أيلول 2024 

وسط ظروف سياسيّة وأمنيّة معقّدة، وتحديات مالية تتمثل في الحصار المستمر على “الأونروا”، أعلنت الوكالة عن بدء العام الدراسي الجديد 2024-2025 في الأول من تشرين الأول المقبل. وقد أثارت هذه الخطوة تساؤلات حول استعدادات “الأونروا” الجدية والفعلية لتأمين عام دراسي خالٍ من المشاكل والعقبات، في ظل استمرار سلسلة من الأزمات المزمنة.

أولى هذه المشاكل تتعلق باكتظاظ الصفوف ونقص المعلمين في بعض مدارس الوكالة واعتماد نظام الدفعتين في بعضها الآخر، مما يزيد الضغط على العمليّة التعليمية ويؤثر سلبًا على جودة التعليم. وقد برهنت التجارب السابقة على ذلك، وترجمتها النتائج المتدنية للامتحانات الداخلية النصفية والنهائية التي جرت في مدارسها، وإن كانت نتائج امتحانات الشهادة الرسمية جيدة.

أما المشكلة الثانية، فتتمثل في الاعتراض الفلسطيني على استمرار إغلاق عدد من مدارس مخيم عين الحلوة، عقب الاشتباكات التي اندلعت بين حركة “فتح” و”تجمع الشباب المسلم” في تموز 2023، إثر اغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا، اللواء أبو أشرف العرموشي.

وثالث هذه المشاكل هو عدم قيام مسؤولي “الأونروا” الإداريين، وخاصة التربويين، بأخذ التحذيرات التي أطلقتها المنظمات الشبابية والطلابية الفلسطينية على محمل الجد، بشأن تراجع العملية التربوية برمتها بعيدًا عن أيّ إهمال أو تقصير، ولم يبادروا إلى طرح استراتيجيات سياسية تنهض بالواقع التعليمي للطلبة الفلسطينيين.

وأوضحت مصادر تربوية فلسطينية لـ”النشرة” عن وجود عدة أسباب ساهمت في تدني وتراجع المستوى التعليمي لطلبة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وفي مقدمتها:

-تداعيات معركة “طوفان الأقصى” مع بداية العام الدراسي المنصرم، وما نتج عنها من تزايد الضغط السياسي والمالي الذي تتعرض له وكالة الغوث من قبل الثنائي الإسرائيلي الأميركي، الذي يضع القطاع التعليمي في الوكالة في دائرة الاستهداف المباشر.

-السياسات التي تعتمدها الوكالة، خاصة تجاهل توصيات المفاصل التربوية المختصة في تقييم الأداء التعليمي، أي “وحدات التطوير التربوي، ومركز البحوث، والمختصين التربويين، والمنسقين، ومدراء المدارس، والمعلمين، والمتقاعدين من ذوي الخبرة”.

-إعادة العمل بنظام الدفعتين في مناطق صيدا والشمال، ودمج عدد من المدارس في بيروت، والمماطلة في إعادة تأهيل مدارس البقاع. بالإضافة إلى علامات استفهام كبيرة حول نظام وآليات توظيف المعلمين وإنشاء “روسترات” لا يعلم سرّها إلا من كان له نصيب، واستمرار اكتظاظ الصفوف وعدم توفر الكثير من اللوجستيات التربوية وغير ذلك من قضايا.

وتؤكد المصادر أن بيان “الأونروا” عند إعلان بدء العام الدراسي لم يلحظ أي خطة تربوية لمعالجة هذه الأسباب، بل جاء في السياق العام ورسم خطوطًا عريضة لعناوين مختلفة، متوقفًا باهتمام كبير عند الالتباس المقصود من تضمينه عبارة “تحديث المناهج”، وما المقصود منها في ظلّ حرب الإبادة على غزة والضفة الغربيّة؟! وتساءلت المصادر: لماذا يتم طرح مراجعة الكتب المدرسية والمناهج التعليمية التي لم يمضِ عليها بضع سنوات؟ أم أن هناك ما وراء الأكمة ما وراءها، رضوخًا لإملاءات المانحين وضغوط الثنائي الإسرائيلي الأميركي؟.

الجبهة الديمقراطية

وقد قرعت “دائرة اللاجئين و”الأونروا” في “الجبهة الديمقراطية” جرس الإنذار المبكر، ودعت دائرة التربية والتعليم في الوكالة إلى استخلاص الدروس والعبر من ثغرات العام الدراسي المنصرم، والعمل على إصلاح الأخطاء والفجوات التي حصلت وأدت إلى تراجع مستوى التحصيل التعليمي العام، باعتبارها مسألة تتجاوز قضايا الإهمال والتقصير من مدرسين ومدراء لتطال كل العملية التعليمية الآخذة بالتراجع.

وعدّدت الدائرة العديد من الملاحظات على ما جاء في بيان “الأونروا”، ومنها:

لماذا لم تبادر الوكالة إلى تنظيم ورشة عمل تربوية شاملة تشارك فيها المنظمات الشبابية والطلابية واللجان الشعبية، إلى جانب خبراء التعليم الحاليين والسابقين؟.

لماذا لم تُوجّه نداءً وتطلب دعمًا جديًا من الأمم المتحدة لضمان إبقاء القطاعات الخدمية التعليمية والصحية والإغاثية بعيدة عن دائرة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، التي تشكل إعلان حرب على اللاجئين الفلسطينيين ومستقبلهم التعليمي، ويجب على الجميع التصدي لها؟.

لماذا يتم طرح مراجعة الكتب المدرسية والمناهج التعليمية التي لم يمضِ عليها بضع سنوات؟ أم أن هناك ما وراء الأكمة ما وراءها، رضوخًا لإملاءات المانحين وضغوط الثنائي الإسرائيلي الأميركي؟.

بخصوص توظيف المعلمين، ما هو المقصود بالآلية الجديدة لإدارة اختبارات التوظيف؟ وهل ستكون بعيدة عن رقابة المفاصل التربوية المختصة في الوكالة؟.

لماذا العودة إلى نظام الدفعتين لمدارس عين الحلوة والبداوي، رغم أن عددًا من المدارس المهجورة في عين الحلوة لا تحتاج إلى كثير من الترميم والصيانة؟ وتأخرت أعمال التأهيل في مدارس البداوي دون مبرر مقبول؟.

تتجاهل إدارة الوكالة للعام الثاني على التوالي صرف بدل مواصلات للطلبة، معتبرة أن صرف المساعدة الفصلية للأطفال يكفي، رغم أنها لا تغطي المصاريف، مما يؤثر على عدم مواظبة الكثير من الطلبة على التعليم بسبب ارتفاع تكاليف النقل.

الجبهة الشعبية

وتوقف مسؤول ملف “الأونروا” في الجبهة الشعبية في لبنان، عارف أبو خليل “أبو عماد”، عند قضية تحديث المناهج التربوية ووصفها بأنها ما زالت مبهمة حتى الآن. وقال لـ”النشرة” إن ما لفت انتباهه في إعلان “الأونروا” ليس الأمور اللوجستية المتعلقة بتأمين الكتب والقرطاسية والمعلمين، بل القضية الأساسية تكمن في التحديث. وهذه قضية خطيرة، إذ لم نعرف بعد ما إذا كان المقصود هو تعديل المناهج الدراسية بما يتوافق مع مسألة الحيادية. وهذا يفرض علينا كفلسطينيين أمورًا لا يمكننا تحملها أو القبول بها، مثل الإشارة إلى خريطة فلسطين بوجود “إسرائيل” عليها، وعدم استخدام مصطلح “العدو الإسرائيلي” وغير ذلك. هذه المسألة قد طُرحت سابقًا في القدس المحتلّة، ولم يكن الاتحاد الأوروبي وحده الداعم لهذا التعديل، بل الولايات المتحدة الأميركية أيضًا دعمت هذا التوجه لصالح إسرائيل.

وانتقد أبو خليل المجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين، مشيرًا إلى أن المناهج الإسرائيلية تحرض على العنف والكراهية ضد العرب والفلسطينيين، ومع ذلك لم يعترض أحد عليها ولم يتدخلوا في تعديلها. وأكد أن إعادة طرح هذا الموضوع تحت هذا المفهوم أمر خطير، وعلى “الأونروا” أن تصدر بيانًا توضيحيًا فوريًا حول هذا الموضوع.

وأوضح أن التخوف الأكبر يكمن في تعديل المناهج بما يتماشى مع الحيادية، في وقت يتعرض فيه قطاع غزة للعدوان الإسرائيلي منذ ما يقارب العام، مما يوفر فرصة مواتية لذلك في ظل الحصار المالي المفروض على الوكالة.

وأشار إلى أن “الأونروا” بدأت بالفعل اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه من خلال إصدار تعاميم داخلية تحث موظفيها على الالتزام بالحيادية وعدم التعبير عن آرائهم المتعلقة بالقضية الفلسطينية، حتى ولو كان ذلك بالإعجاب فقط، وقد وصلت العقوبات ضد المخالفين إلى حد الفصل من العمل.

وختم بالقول إن القوى السياسية والمجتمع الفلسطيني مطالبين بمتابعة هذا الموضوع وتوضيح أبعاده لمعرفة كيفية التعامل مع هذا التحديث، الذي لا يزال غامضًا حتى الآن. ومع بداية العام الدراسي الجديد، سيُكشف الأمر بشكل أوضح، وحينها سيكون لكل حادث حديث.

الجهاد الإسلامي

وأوضح مسؤول ملف “الأونروا” في حركة الجهاد الإسلامي في لبنان، جهاد محمد، أن الحركة تتطلع إلى عام دراسي مميز، آملين أن يكون سلسًا ومليئًا بالنجاح والتقدم، خاليًا من العقبات والمشاكل التي قد تؤثر على سير العملية التعليمية، لضمان تجربة تعليمية ممتازة للطلاب. وبما أن التعليم حق أساسي لكل فرد، فإننا جميعًا مسؤولون عن توفير بيئة تعليمية ملائمة ومشجعة تدعم تطور الطلاب.

وتمنى محمد، عبر “النشرة”، أن تترجم التصريحات الإيجابية التي أدلت بها المديرة العامة لـ”الأونروا” في لبنان، دوروثي كلاوس، في البيان الذي صدر بمناسبة انطلاق العام الدراسي، حيث أكدت التزام الوكالة بالإصلاح التربوي وتحقيق نتائج أفضل، من خلال خلق بيئة تعليمية قوية وضمان جاهزية الطلاب. ومع ذلك، شدد على أن هذه التصريحات بحاجة إلى تطبيق فعلي على أرض الواقع لضمان توفير تجربة تعليمية متميزة وفعالة للطلاب.

وأشار محمد إلى أن التعليم يمثل أحد وسائل المواجهة والصمود للشعب الفلسطيني في لبنان، لمواجهة كافة التحديات التي تستهدف قضية اللاجئين الفلسطينيين ومحاولة طمسها. ولذلك، يجب على “الأونروا” أن تعطي الأولوية لتحسين جودة التعليم، وهذا يتطلب توفير الوسائل التربوية الحديثة والملائمة لمواكبة التطور التكنولوجي، لضمان تكيّف الطلاب مع هذه التغيرات. فالتعليم هو سلاحنا في مواجهة التحديات.

وطالب محمد بضرورة تأمين احتياجات المدارس من معلمين وكتبة وأذنة ومرشدين، والعمل على ملء كافة الشواغر وفقًا للكفاءة والاختصاص. كما شدد على أهمية عدم حدوث اكتظاظ في الصفوف، وهي مشكلة تكررت في الأعوام السابقة. وبالتالي، نتطلع إلى حلول فعالة من إدارة “الأونروا” لتفادي هذه المشكلة هذا العام، مما يتيح للطلاب التركيز على دراستهم. ونحن نتابع هذا الموضوع عن كثب لمراقبة عملية تشكيل الصفوف في كافة المدارس.

وفيما يتعلق بمدارس عين الحلوة، أكد أنه لا ينبغي ترك الموضوع معلقًا دون حلول، خاصة أن المتضررين الرئيسيين هم أبناؤنا الطلبة وأبناء شعبنا في المخيم. لذلك، علينا جميعًا كفصائل ومجتمع وإدارة “الأونروا” العمل بشكل جدي لمعالجة الاعتراضات على نظام الفترتين الصباحية والمسائية، خصوصًا أن بعض المدارس تضررت جراء الاشتباكات السابقة ولم يتم ترميمها بعد، خاصة تلك الواقعة في منطقة الطوارئ. لذا، من الضروري الوصول إلى صيغة موحدة لضمان إعادة الحياة إلى هذه المدارس وتحييدها عن أي إشكالات مستقبلية.

وأضاف محمد: “وعلى الرغم من مساعدة المواصلات التي تقدمها “الأونروا” للطلاب الذين يتنقلون إلى مدارس خارج المخيم، يجب أن نتذكر أن هذه المساعدة قد لا تكون كافية وقد تزيد من الأعباء المالية على الأهالي. لذلك، نطالب بضرورة إعادة النظر في قيمة هذه المساعدة.”

بيان الأونروا

وأعلنت وكالة الأونروا في بيان لها أنه للعام الثاني على التوالي، سيتم توزيع طلاب ست مدارس في مخيم عين الحلوة لتلقي تعليمهم في ثلاث منشآت مدرسية داخل المخيم. هذا التوزيع سيوفر التعليم لـ3,759 طالبًا من إجمالي 6,247 طالبًا في المخيم لهذا العام.

وأوضحت الوكالة أن باقي الطلاب، البالغ عددهم 2,488 طالبًا، سيواصلون تلقي تعليمهم بشكل مؤقت في مدارس الأونروا خارج المخيم وفي المناطق المجاورة له، بسبب عدم توفر التمويل من المانحين لإعادة تأهيل المباني المدرسية المتضررة، بالإضافة إلى الوضع الأمني الهش في مخيم عين الحلوة.

وذكرت الوكالة أنه خلال الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي الماضي 2023-2024، وعلى الرغم من عدم إمكانية الوصول إلى خمس مدارس من منشآتنا التعليمية داخل المخيم، تم استيعاب جميع الطلاب، البالغ عددهم حينها 5,662 طالبًا، في مدارس الأونروا في صيدا. وبحلول الفصل الدراسي الثاني من العام نفسه، تم نقل طلاب عين الحلوة المسجلين في أربع مدارس، البالغ عددهم 2,592 طالبًا، إلى المدارس داخل المخيم.

دورثي كلاوس

وأكدت مديرة شؤون الأونروا في لبنان، دوروثي كلاوس، التزام الوكالة بالإصلاح التربوي لتحقيق نتائج أفضل. وقالت: “لدعم هذا الالتزام، يتم تنفيذ العديد من المبادرات الأساسية التي تهدف إلى خلق بيئة تعليمية وتعليمية أكثر قوة، وضمان جهوزية الطلاب بشكل جيد، والتعافي من الفاقد التعليمي السابق، وتحقيق نتائج أكاديمية أفضل.”

وتشمل هذه المبادرات:

مراجعة الكتب المدرسية: أظهرت مراجعة حديثة للكتب للصفوف من الأول إلى الثالث الحاجة إلى تحسينات وتطوير. استجابة لذلك، يقوم برنامج التعليم التابع للأونروا في لبنان بتنفيذ خطط قصيرة وطويلة الأمد لتعزيز الموارد التعليمية.

البرنامج التكميلي للصف التاسع: سيتم تقديم برنامج دعم تكميلي لطلاب الصف التاسع الذين حصلوا على درجات تتراوح بين 8 و9.9 في العام الدراسي الماضي 2023-2024. يستمر هذا البرنامج من 17 إلى 28 أيلول، وهو مصمم لمساعدة الطلاب على اكتساب المهارات اللازمة للترفع إلى الصف التالي. وقد تم إنشاء مراكز داخل بعض المدارس لتقديم هذا البرنامج، حيث تستوعب الصفوف ما يصل إلى 12 طالبًا لكل صف لدعمهم وتعليمهم.

برنامج الاستعداد والجهوزية للصف الأول: بالنسبة للطلاب المسجلين حديثًا في الصف الأول، ستنفذ الأونروا برنامجًا لتحضيرهم وجهوزيتهم بدءًا من 1 تشرين الأول ولمدة أسبوعين. ستدعم هذه المبادرة الطلاب في الانتقال إلى الحياة المدرسية، وستشمل أيضًا تزيين الصفوف لتوفير بيئة جذابة ومشجعة، وذلك بدعم من شركائنا.

التركيز على الطلاب المعيدين: يتم إيلاء اهتمام خاص للطلاب المعيدين، مما يدفع الأونروا إلى تعزيز ممارسات التعليم الشامل. يشمل ذلك التدريب المتخصص لموظفي الأونروا الذين يعملون مع الأطفال ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة، بهدف تعزيز مهاراتهم في تطبيق مناهج التعليم الشامل وتطوير خطط تعليمية فردية للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.

توظيف المعلمين: لضمان توظيف معلمين مؤهلين، ستعتمد الأونروا إدارة اختبارات التوظيف في مجالات دراسية محددة، حيث يتقدم المرشحون عبر الإنترنت في بيئة محمية وآمنة يمكن الوصول إليها. يهدف هذا النهج إلى التأكد من أن المرشحين يمتلكون المعرفة والمهارات والفهم اللازمين للمفاهيم الأساسية، مما يمكنهم من تطبيق هذه المعرفة بشكل فعال لدعم تعلم الطلاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى