لبنان يعيش طوارئ صحية عقب تفجيرات الأجهزة اللاسلكية

نجية دهشة

بيروت- بلغت حصيلة الموجة الثانية من التفجيرات التي طالت أجهزة لاسلكية في لبنان مساء اليوم الأربعاء، 14 شهيدا وأكثر من 450 إصابة. وفق تحديثات مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة اللبنانية.

ونتيجة لهذه التطورات المفاجئة، يشهد لبنان حالة طوارئ صحية غير مسبوقة، بعد استشهاد ما مجموعه 13 شخصًا في التفجيرات الأولى، بينهم فتاة في الثامنة من عمرها وطفل في الـ11، وبين الضحايا عدد من العاملين في القطاع الصحي.

وفيما يتعلق بالإصابات، فقد وصل عدد الجرحى يوم أمس الثلاثاء إلى حوالي 2750 جريحًا، توزعوا على مناطق مختلفة في البلاد، فقد سجلت منطقة الجنوب نحو 750 جريحًا، ومنطقة البقاع 150 جريحا، بينما بلغ عدد الجرحى في بيروت والضاحية الجنوبية 1850 جريحا.

ومن بين هؤلاء، يعاني نحو 10%، أي أقل من 300 شخص، من حالات حرجة تتطلب العناية المركزة، بسبب إصابات في الوجه أثّرت على قدرتهم على التنفس، مما استدعى استخدامهم للتنفس الاصطناعي، بالإضافة إلى معاناة بعضهم من نزيف في الدماغ.

كما احتاج حوالي 1800 جريح إدخالهم إلى المستشفيات، تطلبت حالة 460 منهم إجراء عمليات جراحية في العيون أو الوجه أو الأطراف بما في ذلك اليدان، حيث أجريت عمليات متعددة لبتر اليد أو الأصابع.

وشارك نحو 100 مستشفى في استقبال المرضى، وتم نقل 1817 جريحًا عبر 1184 سيارة إسعاف، كما نقلت بعض الحالات من البقاع إلى سوريا نظرا لقرب المسافة، بينما سيتم إجلاء حالات أخرى إلى إيران، لكن 92% من الجرحى سيخضعون للعلاج في لبنان.

من جهة أخرى، استقبل لبنان أول طائرة مساعدات من العراق، محملة بـ15 طنًا من الأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى طاقم بشري، كما وصلت مساعدات إضافية من إيران والأردن لدعم جهود الإغاثة.

“وضع صعب جدا”

أكد نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، في حديثه للجزيرة نت، أن ما حدث أمس الثلاثاء كان مشابها لانفجار مرفأ بيروت عام 2020، وأوضح أن الغالبية العظمى من المصابين كانوا بحاجة إلى استشفاء كامل، وليس فقط علاجا طارئا، مما زاد من تعقيد الوضع.

ووصف هارون الوضع بأنه “صعب جدا”، خصوصا خلال ساعات الليل الأولى، لكنه أكد أن المستشفيات تمكنت من التعامل مع الأزمة بالتنسيق الوثيق مع غرفة العمليات التابعة لوزارة الصحة، حيث تم توزيع المرضى على المستشفيات وفقا لقدراتها الاستيعابية والتخصصات المتاحة.

كما كشف أن عدد المرضى في العناية الفائقة كبير جدا، ولا يزال بعض الجرحى يخضعون للعمليات حتى هذه اللحظة، موضحا أن مستشفى الجامعة الأميركية كان الأكثر تعرضا للضغط، بالإضافة إلى مستشفيات المتن الجنوبي والشمالي، في حين شهدت مستشفيات البقاع والشمال ضغطا أقل.

وأكد الدكتور عبد الرحمن البزري، عقب جولة تفقدية في المستشفيات اللبنانية لمتابعة أوضاع الجرحى للجزيرة نت، أن القطاع الصحي “تمكن من استيعاب تداعيات الكارثة الناجمة عن العدوان الإسرائيلي في وقت قياسي”. وأوضح أن المستشفيات استقبلت المصابين وصنّفت حالاتهم وفق درجة خطورة الإصابات وسرعة التعامل المطلوبة، حيث تمت كل الإجراءات خلال ساعات قليلة.

وأشار البزري إلى أن الاستجابة تمت وفق البروتوكولات والمعايير الصحية المعتمدة في الخطة المركزية للطوارئ، والتي تم التدرب عليها مسبقا عبر مناورات أجريت في المستشفيات.

كما لفت إلى أن الإصابات كانت بالغة الخطورة، إذ إن نحو ثلث الجرحى تعرضوا لإصابات في العيون والوجه واليدين، مما قد يؤدي إلى اضطرابات دائمة في الأصابع أو الأيدي، أو ضعف دائم في البصر، وفي بعض الحالات إلى فقدانه بالكامل.

اسرائيل تخترق أجهزة حزب الله
مرقص للجزيرة نت: استهداف وسائل الاتصال يصنف كعمل إرهابي (وكالات)

انتهاك قانوني

يقول رئيس مؤسسة “جوستيسيا” (JUSTICIA) الحقوقية في بيروت والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي بول مرقص، إن استهداف وسائل الاتصال أدى إلى إصابة مدنيين، سواء كانوا يستخدمونها أو يوجدون بالقرب منها، مما تسبب في أضرار لهم أو في فقدان أرواحهم.

واعتبر في حديثه للجزيرة نت أن تحويل الأحياء السكنية إلى أهداف عسكرية وتعريض المدنيين للخطر يُعد خرقا لقوانين الحرب الدولية، وليس تجاه مجتمع معين فحسب، موضحا أن هذا الفعل يخالف مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين في النزاعات المسلحة، والذي نص عليه القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاتها لعام 1977، وخصوصًا الأول منها.

وأضاف مرقص أن اتفاقيات جنيف الأربع توفر حماية شاملة للمدنيين وغير المقاتلين أثناء النزاعات المسلحة، ورغم أن إسرائيل وقّعت على هذه الاتفاقيات، فإنها لم تصادق عليها، وأشار إلى أن قرارات مجلس الأمن، مثل القرار رقم 1738 الصادر عام 2006 بشأن “حماية المدنيين في النزاعات المسلحة” تندرج ضمن هذا الإطار.

ومع ذلك، يضيف المحامي أن الانتهاكات المرتكَبة مثل استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية والاستخدام المفرط والعشوائي للقوة، تستوجب التحقيق والمحاكمة بناءً على أحكام المواد 3 و27 و49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على حماية المدنيين، إضافة إلى أحكام البروتوكول الأول.

ورغم أن إسرائيل ليست طرفًا في البروتوكولات الملحقة بهذه الاتفاقيات، فإن ذلك “لا يسمح لها بالتنصل من التزاماتها الإنسانية الطبيعية والعرفية باحترام المعايير الدولية الإنسانية” كما يقول مرقص، “فالمجتمع الدولي بأسره أصبح ملتزما بهذه القواعد الإنسانية، المدعومة أيضا بالقوانين الدولية للصليب الأحمر التي تؤكد على تحييد المدنيين”.

كما أكد أن “استهداف وسائل الاتصال لا يعد فقط جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، بموجب اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، بل يصنف أيضا كعمل إرهابي”، ودعا القضاء اللبناني إلى التحرك بسرعة وحزم، والتواصل مع السلطات الأجنبية في الدول التي توجد فيها الشركة المصنّعة أو المورّدة، بالتنسيق الوثيق مع وزارة الخارجية اللبنانية.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى