جمعية “نبع” تبلسم جراح أهلنا من الجنوب الصامد… وتخفف وطأة المعاناة

محمد دهشة

 

أجبرت الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة، التي استهدفت المناطق السكنية في مختلف أقضية الجنوب، آلاف العائلات على النزوح عن منازلها وبلداتها إلى مدينة صيدا. وقد استضافتهم المدينة في منازل أبنائها وفي مراكز إيواء، بعد تفعيل خطة الطوارئ التي أعدتها خلية إدارة المخاطر والكوارث بالتعاون مع الجمعيات الأهلية والمؤسسات المدنية والإسعافية والكشفية.

وتواجه صيدا تحديات كبيرة نتيجة الضغط الكبير الناتج عن موجة النزوح، إذ بلغ عدد النازحين أكثر من 10 آلاف شخص، منهم 6 آلاف موزعين على 18 مركز إيواء. ويزداد الوضع تعقيدًا بسبب قلة الإمكانيات المادية الناتجة عن الأزمات المتعاقبة التي مر بها لبنان على مر السنوات الأخيرة.

بالمقابل، استنفرت الجمعيات والمؤسسات الأهلية طواقمها والمتطوعين للتكامل مع الجهود الرسمية – محافظة الجنوب والبلدية في احتواء الأزمة. وقد لعبت بعض هذه المؤسسات دورًا بارزًا في تخفيف معاناة النازحين منذ الساعات الأولى لوصولهم إلى مراكز الإيواء، مستفيدة من الدورات التدريبية والخبرات التي اكتسبتها من الأحداث السابقة.

“جمعية عمل تنموي بلا حدود – نبع” تُعد واحدة من أبرز الجمعيات التي تلعب دورًا محوريًا في تخفيف وطأة النزوح وتداعياته على مختلف المستويات. فقد فرزت الجمعية فريقها بالكامل للتعامل مع الأزمة الطارئة، وهو نفس الفريق الذي اكتسب خبرة من خلال تجربته في إدارة النزوح الناتج عن الاشتباكات الأخيرة التي وقعت في مخيم عين الحلوة عام 2023.

واليوم، تشرف جمعية نبع على ثلاثة مراكز إيواء في صيدا ومنطقتها بالتنسيق مع خلية الأزمة، وتتعاون مع وكالة “الأونروا” في مدرسة نابلس في المدينة. كما تتولى الجمعية بالكامل مركزي الإيواء في عين الدلب والقرية – شرق صيدا، بالتنسيق مع محافظ الجنوب منصور ضو، حيث أمنت عند افتتاح المراكز جزءًا كبيرًا من احتياجاتها الضرورية، لا سيما الفرش والمخدات والبطانيات والاحتياجات الأخرى. 

ياسر داوود

ويقول المدير التنفيذي لجمعية نبع الاستاذ ياسر داوود ان الجمعية منذ اللحطات الاولى شاركت في اجتماعات خلية الازمة في بلدية صيدا وانخرطت في توزيع المهام وتقاسم المسؤوليات وقدمت جزء كبيرا من احتياجات مراكز الايواء لجهة الفرش والبطانيات والمخدات وسواها.

ويضيف تسعى الجمعية إلى تقديم الدعم والمساعدة لأهلنا الذين وفدوا من الجنوب الصامد، من خلال توفير الاحتياجات الأساسية، وتقديم خدمات الصحة النفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة ترفيهية للأطفال للحد من آثار النزوح عليهم.

خلية عمل

داخل المركز الذي يضم نحو 56 عائلة، تشكل حوالي 200 شخص، تبدو الحركة لا تهدأ في خلية عمل، بين تأمين احتياجات أهلنا من الجنوب الصامد وسط الظروف الصعبة وازدياد أعدادهم، وبين الاطمئنان على الأهل والأقارب الذين نزحوا إلى أماكن أخرى أو بقوا صامدين في منازلهم وبلداتهم الجنوبية.”

 ويؤكد أحد المشرفين في جمعية نبع، محمد شبايطة، أن طواقم الجمعية والعاملين فيها استنفروا ونزلوا إلى الميدان منذ اليوم الأول لتوسع العدوان الإسرائيلي على الجنوب. وقد تسلمنا مدرسة نابلس في صيدا بالشراكة مع وكالة الأونروا لرعاية النازحين الذين وفدوا إليها.

وأوضح أن دورنا في المركز يبدأ باستقبال أهلنا من الجنوب الصامد وإعداد ملفات خاصة بكل عائلة، كما نقدم الخدمات الأولية من حيث تأمين الفُرُش والحرامات والمخدات والاحتياجات الضرورية، إضافة إلى الوجبات الساخنة للغداء إلى جانب الفطور والعشاء. كما نقدم الدعم النفسي للأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، ونقوم بحملة ترفيهية للأطفال في محاولة للتخفيف من الصدمات التي يعاني منها الناس.

وأشار إلى أنه تم فتح عيادة صغيرة بالشراكة مع الأونروا لتقديم الإسعافات الأولية ولمعاينة المرضى في المركز والكشف الدوري عليهم، وإعطاء الأدوية المتوفرة. ونحن على تواصل مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والصليب الأحمر الدولي لأي طارئ، ونتابع القضايا اليومية الأخرى مثل تأمين المياه واحتياجات الأطفال.”

آراء النازحين

الحاج جمعة نهيلي (78 عامًا) أحد النازحين الى المركز، يجلس على كرسي خشبي من مقاعد الدراسة أمام خيمة صغيرة نُصبت على عجل في الباحة الخارجية. يقول إنه نزح من مخيم البرج الشمالي في صور بعدما اقتربت الغارات الإسرائيلية من منزله، ففضل الابتعاد عن الخطر. يشيد بدور جمعية نبع في رعاية واحتضان النازحين، ويقول: ‘كأننا بين أهلنا وأقاربنا، يقدمون لنا ما نحتاج، ونحن لا نريد شيئًا، نريد فقط العودة إلى منازلنا وانتهاء الحرب.

وفي زاوية أخرى من الباحة، تراقب الحاجة فاطمة، المنهكة من أهوال العدوان كل ما يجري حولها، تحاول الاستماع الى نبأ جديد يعلن وقف اطلاق النار، تقول بصوت خافت يثقل كاهله الألم: ‘الغارات الإسرائيلية لم تميز بين أحد وقد طالت الأحياء السكنية، لم يكن أمامنا سوى النزوح المؤقت، نجرّ وراءنا أحلام العودة السريعة.’ ورغم مرارة النزوح، لم تغفل فاطمة عن دور جمعية نبع التي احتضنت النازحين كما تحتضن الأم أطفالها، مُشيدةً برعايتهم وتفانيهم في تخفيف وطأة المأساة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى