خطط الطوارئ لا تلبي احتياجات مليون و200 ألف نازح بلبنان
نجية دهشة
بيروت- في ساحة واسعة مكتظة بالعائلات الهاربة من القصف بمدينة صيدا، جنوب لبنان، تجلس أم خليل، يدها على خدها، وقد أثقلتها الهموم. تقول، وتنهيدة عميقة تسبقها “ننتظر فراشا من فاعلي الخير، الدولة لم تتمكن من تأمين أبسط الاحتياجات، نعيش مصيرا مجهول، ولا نعلم ماذا ينتظرنا”.
تعكس كلمات أم خليل معاناة يتقاسمها مئات آلاف النازحين الذين فروا من قراهم وبلداتهم هربا من القصف الإسرائيلي الواسع في الأسابيع الأخيرة.
وتحولت ساحة قريبة من ساحة النجمة، إلى مركز إيواء مؤقت، تعج بمئات العائلات التي تركت منازلها من مختلف مناطق الجنوب تحت القصف، من دون حمل أي شيء معها، لا طعام ولا ملابس إضافية. إذ يعتمد النازحون بالكامل على مساعدات فردية تأتي أحيانا في صورة أفرشة أو وجبة طعام أو حتى قنينة ماء.
أما أم علاء، جارة أم خليل في النزوح التي تتشارك معها قطعة الأرض نفسها لا يفصل بينهما إلا رقعة قماش، فتقول للجزيرة نت، “الوضع لا يُحتمل، نحن 5 أفراد نتقاسم بساطا واحدا، ونغطي أنفسنا ببطانية واحدة. لا نملك حتى خيمة تؤوينا، إننا نعيش في العراء”.
تحديات تفوق القدرات
في معظم المناطق اللبنانية التي خصصت مراكز إيواء للنازحين، لا يختلف المشهد كثيرا.
في أحد هذه المراكز في بيروت، تروي أم علي، وهي أم لـ3 أطفال، قصتها للجزيرة نت، وكيف نزحت من الضاحية الجنوبية بعد أن اشتد القصف، وكيف تركت هي ومن معها كل شيء خلفهم وهربوا بأرواحهم فقط، وتقول: “الوضع هنا صعب للغاية، نعيش بأقل القليل، ولا تتوفر لنا الاحتياجات الأساسية”.
ويتفاقم النزوح في لبنان مع استمرار العدوان الإسرائيلي، الذي طال مؤخرا الضاحية الجنوبية لبيروت، وأسفر عن موجة نزوح جديدة نتيجة الغارات الجوية، ناهيك عن التهديدات بتهجير العديد من الأحياء والمباني السكنية والمدن الجنوبية، ما يعمق الأزمة الإنسانية المستفحلة.
ورغم الجهود الحكومية لتنفيذ خطة طوارئ لتأمين مراكز إيواء وتوفير الاحتياجات الأساسية، فإن الأعداد الهائلة من النازحين تفوق الإمكانات المتاحة، مما يجعل التعامل أكثر صعوبة. ولجأ معظم النازحين إلى المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء مؤقتة، حيث تقدم مساعدات إنسانية محدودة.
وأفادت مصادر للجزيرة نت بعدم توفر أرقام دقيقة حول أعداد النازحين نظرا لتوزعهم بين منازل أقاربهم أو استئجارهم بيوتا خاصة من دون أن يسجلوا أنفسهم، كما أشارت المصادر ذاتها إلى واقع الاكتظاظ، والمشاكل المتفاقمة في مراكز الإيواء.
وأعلنت وحدة إدارة الكوارث التابعة للحكومة اللبنانية في أحدث تقرير لها أن العدد الإجمالي للنازحين ارتفع إلى مليون و200 ألف شخص، بينهم 172 ألفا مسجلين في مراكز الإيواء، كما أشار التقرير إلى أن عدد مراكز الإيواء بلغ حوالي 874 مركزا، ويستمر هذا الرقم في الازدياد مع تواصل النزوح من جنوب لبنان وشرقه، بالإضافة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.
فوضى النزوح
ويؤكد منسق لجنة الطوارئ في الحكومة اللبنانية ناصر ياسين خلال حديثه للجزيرة نت، أن الأعداد الكبيرة من النازحين تشكل أزمة تتجاوز قدرة أي دولة على التعامل معها، حتى لو كانت تلك الدولة مستقرة وتتمتع بمؤسسات فعالة، ويشير إلى أنه في غضون ساعات قليلة، نزح حوالي ربع اللبنانيين، وهو ما يعتبر حدثا غير مسبوق في تاريخ البلاد.
ويؤكد ياسين أن الحاجات الإنسانية الناتجة عن هذا النزوح هائلة، ورغم الجهود المبذولة للتعاون مع الوزارات والمنظمات الدولية، تبقى الاحتياجات ضخمة وتتطلب المزيد من الدعم.
ويحذر ياسين من أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى تحول هذه الأزمة الإنسانية إلى كارثة شاملة، لا تؤثر فقط على لبنان، بل أيضا على الدول الأخرى، خصوصا الأوروبية، التي قد تستقبل النازحين اللبنانيين وغير اللبنانيين، ويشير إلى أنه لا يمكن تجاهل وجود مليون ونصف سوري و250 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، مما يزيد من العبء على البلاد.
علاوة على ذلك، يشدد ياسين على ضرورة دعم لبنان لتعزيز استجابته الإنسانية، مؤكدا أن آثار الحرب والتدمير يجب أن تتوقف فورا، ويناقش التحديات المتعلقة بكيفية إيصال الناس إلى مراكز الإيواء، حيث يوجد حاليا أكثر من 850 مركزا، وهو عدد كبير لدولة صغيرة تعاني من أزمات متعددة.
ويضيف أنه بجانب تلك التحديات، هناك حاجة ملحة لتأمين المستلزمات الأساسية، مثل الأفرشة والمياه والغذاء، بالإضافة إلى الحاجة إلى المستلزمات الصحية الضرورية.
وأشار، في السياق ذاته، إلى الضغط الكبير الذي يتعرض له النظام الصحي بسبب الجرحى جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة وتوسيع نطاقها الجغرافي، ما يتطلب توفير العلاج والخدمات الصحية اللازمة.
محاولات لسد الفجوة
بالمقابل، تحاول منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية المساعدة وسد الفجوة وتقديم الدعم، ولكن رغم الجهود التي تبذلها فإن الاحتياجات تفوق بكثير الموارد المتاحة. الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة تحاول تأمين بعض المساعدات، إلا أن الزيادة المستمرة في أعداد النازحين تشكل تحديا كبيرا.
ويقول العضو في تجمع المؤسسات الأهلية في صيدا ورئيس جمعية “ناشط” الثقافية الاجتماعية الدكتور ظافر الخطيب للجزيرة نت، إن الجمعية تستجيب لدورها الإغاثي منذ بداية تدفق النازحين إلى مدينة صيدا ومحيطها، وتعمل الجمعية على تخفيف معاناة العائلات النازحة من خلال فرز عدد من متطوعيها للعمل في أحد مراكز الإيواء وتوفير الاحتياجات الأساسية، سواء من مواردها الخاصة أو من خلال ما تقدمه لجنة إدارة الكوارث.
ويوضح الخطيب أن الجمعية، من خلال المطبخ الفلسطيني الذي تشرف عليه، توزع وجبات ساخنة لـ200 عائلة خارج مراكز الإيواء يوميا منذ بداية الأزمة، بالإضافة إلى ذلك، تنظم الجمعية أنشطة دعم نفسي واجتماعي، فضلا عن فعاليات ترفيهية للأطفال.
ويشير الخطيب إلى سلسلة من التحديات التي تواجه أزمة اللجوء، خاصة إذا طال أمدها ومع اقتراب فصل الشتاء، مثل استمرار تدفق النازحين واكتظاظ مراكز الإيواء، ويلفت إلى عدم توفر عدد كاف من التجهيزات والمواد الضرورية مثل الأفرشة والأغطية، والمياه، والحمامات المجهزة بالمياه الساخنة، وأدوات التنظيف الكافية، وغيرها من الاحتياجات.