سامي مشعشع:قراءة في خطاب المفوض العام للأونروا الأخير امام الجمعية العمومية
ينبغي ان يكون انهاء تفويض الأونروا تدريجيا وضمن إطار حل سياسي
“تفكيك الاونروا سيكلف نصف مليار دولار” كتعويضات نهاية الخدمة للعاملين!”
فلسطين- خطاب المفوض العام امام الجمعية العمومية بالأمس مر أمامنا، جموع اللاجئين وأجهزتنا ذات الاختصاص وهيئاتنا السياسية، مرورا سريعا دونما تمحيص ودونما تبصر بمضمونه.
المفوض حذر في خطابه المطول ان التشريعات الإسرائيلية الأخيرة بحق الوكالة تشكل تهديدا وجوديا عليها وان هذه المؤسسة الهامة لنا سياسيا ورمزيا وقانونيا وخدماتيا تمر بأحلك الأوقات من تاريخها. وأشار ان هدف الهجمة ليس القضاء على الأونروا وانما على حق العودة وتقرير المصير وأنها تنسف الأسس التي يفترض ان يقام عليها أي حل عادل للصراع. هذا القول يحسب له لان بعض الأصوات بيننا تردد، كالببغاوات، ما يردده بعض الدعاة ان الهجمة تستهدف الأونروا فقط ولا تبعات لها على وضعية اللاجيء واللجوء والعودة! والحق يقال ان جزء من كلمته أمام الاجتماع الحاشد للدول عن تداعيات حرب الإبادة على غزة وأهلها كانت جيدة وكذلك شرحه لتداعيات انهاء الوكالة في الأراضي المحتلة ومناطق عملياتها خارج الوطن والفراغ العملياتي والسياسي والاقتصادي الذي سيتبع.
ولكن المفوض أسهب ايضا في شرح القيود والاشتراطات على عمل الوكالة والتى استدخلها نزولا عند أوامر الدول المتبرعة في محاولة للتأكيد أمامهم ان منظمته “تنفذ مطالب” هذه الدول والكيان من ورائهم. وكمثال واحد على تلهفه في توضيح هذه الفكرة أشار المفوض العام – لتأكيد التزام مؤسسته للاشتراطات الإسرائيلية- ان الأونروا ومنذ ١٥ عام تشارك دولة الكيان قائمة بأسماء كل موظفيها وأنها مؤخراً دأبت على تقديم هذه الكشوفات الحساسة والخاصة مرة كل ثلاثة أشهر! شهادة “الكفاءة” هذه و “الانصياع” لم نسمع بخصوصها أي اعتراض فلسطيني عليها إذ انها تمثل خرقا لخصوصية العاملين وأنها قد تشكل (وشكلت للبعض منهم) مخاطر جمة على امنهم الشخصي والوظيفي كعاملين وموظفين.
في نهاية خطابه طرح أمام الحضور مطالب ثلاث؛ ان تتكتل الدول في منع التشريعات الإسرائيلية بحق الأونروا وعدم تحويل الأموال المنوى تخصيصها للاونروا لمؤسسات أخرى انصياعا للقرارات المتخذة من الكنيست (لادراكه ان بعض من هذه الدول تنظر لبدائل عن الأونروا “قلقا” على المدنيين في غزة وأنهم يودون،لرحمة في قلوبهم(!)، توفير الغذاء والماء عبر أي أداة/موسسة غير الأونروا. قلوبهم الضعيفة حزنا علينا تدفعهم لهذه الخيارات البديلة!!!
ولكن مطلبه الثالث جاء مثيرا للدهشة والاستغراب اذ انه خاطب الحضور قائلا “انه يجب ان يتم انهاء تفويض الأونروا بشكل تدريجي وضمن إطار سلمي وتسليم خدماتها إلى إدارة فلسطينية مفوضة”. وفى استطراد غريب لم يكن مطلوبا /متوقعا منه إثارته أضاف “ان تفكيك الوكالة على نحو مفاجيء سيكلف أكثر من نصف مليار دولار لتعويضات نهاية خدمة موظفي الأونروا”!!
تصريحين شديدي الغرابة والخطورة، وان كان مراده “اخافة” الدول فإنه قدم للكيان وحلفائه هدية مجانية حول فاتورة انهاء الوكالة وانه ان كان الامر كذلك فان أي دولة حليفة للكيان (او الكيان ذاته) سيسعدون وبسرور بتوفير النصف مليار مقابل انهاء خدمات العاملين. مبلغا زهيدا ورخيصا ولا يصل حتى للمبلغ الذي تدفعه دوريات كرة القدم الخليجية رواتب وامتيازات لرونالدو ونيمار وأشباههم!
تبقى الخلاصة الأخطر هى إشارة المفوض الغامضة إلى انهاء تفويض الاونروا تدريجيا متلاقيا، من حيث يدرى او يدرى، مع التوجه الإسرائيلي بدحرجة انهاء الاونروا كي لا يتم يخلق فراغا سياسيا او خدماتيا او حتى أمنيا. الكيان يدرك انه وفى غياب الاونروا، عليه، كقوة احتلال، مسؤولية توفير ذات خدمات الاونروا حال القضاء عليها. وهذا هو بالضبط مضمون الرد الرسمي الذي قدمه مكتب الأمين العام للمسؤولين الإسرائيلين حول هذه النقطة بالأمس.
تصريح المفوض ليس اعتباطي ومقلق فهو لم يتحدث عن تسليم الأونروا لمنظمة التحرير الفلسطينية مثلا او لسلطة منتخبة رسميا من الشعب وهو لم يتحدث عن طبيعة “الحل السلمي” والذي على أساسه لا مانع بتفكيك الاونروا، ولم يفصل طبيعة الحل السلمي وهل يشمل حق العودة وتقرير المصير، وهل الحل يتمثل بالانسحاب من القدس وتثبيتها عاصمة موحدة للكيان.
ان طرح فكرة الإنهاء التدريجي لتفويض الأونروا الان وضمن سياق الإبادة والالتفاف المتصاعد على كافة حقوقنا يساهم في اضعاف العمل على دولة فلسطينية بترابط جغرافي ولا يوضح مخاطر الإنهاء التدريجي على شبح التهجير اولاً والتوطين في الأردن وسوريا ولبنان وغيرها من الدول ثانيا.
الطرف الفلسطيني مطالب بقراءة الخطاب بتمعن وطلب توضيحات حول الطروحات التي قدمها المفوض ومراميها وتوقيتها.
المفوض العام مرجعيته ليس فقط الدول المتبرعة للوكالة، ولكن وبذات المقدار للدول المضيفة للاجئين، وهو مطالب أيضا بتوضيح مرامى تصريحاته للاجئين الذين أقيمت الوكالة لهم ومن اجلهم.