الشيخ ماهر حمود: المقاومة في مأزق؟

قال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود في خطبة الجمعة التي ألقاها من على منبر مسجد القدس في صيدا، يتساءل الجميع: في ظل هذه الحرب المجنونة على المقاومة في لبنان وفلسطين، هذه الحرب التي ترتدي اثوابا متعددة وتتخذ اشكالاً متنوعة تعتمد على تطور تقني نوعي فاجأ الجميع، واستطاع، هذا التطور، ان يحدد الاهداف بدقة واصاب القادة الافذاذ … الخ، ووصل الحقد العالمي – الصهيوني – العربي الى الحرب الاشد، فدّمر البيوت وهجّر الآمنين ودمر المستشفيات والمدارس وقصف الخيم ومراكز الايواء … الخ، واليوم يحاربون المقاومة بناسها شرط الاعمار في غزة، كما شرط الاعمار في لبنان، أن تلقي المقاومة سلاحها وان تستسلم للمؤامرة وان تسلّم الانفاق والمخازن وكل ما يمكن ان يؤمن للمقاومة استمرارية او انطلاقة جديدة: لقد مُنعت الطائرة الايرانية وسائر الطائرات، لا لأنها تحمل سلاحاً، فليس الطيران هو طريق السلاح، لا في هذه الازمة ولا ما قبلها، ولكنهم منعوها لانها قد تحمل اموالاً لاعادة الاعمار والتعويض على المتضررين، هم اذن يحاربون الناس ولا يحاربون المقاومة وكذلك في غزة، حيث تدخل كمية قليلة جداً من المساعدات وعدد محدود من الشاحنات، وقد تكون مخصصة لجهات دولية او المؤسسات عامة ولا يصل للناس منها شيء يذكر: على حماس ان تلقي سلاحها وان تتخلى عن مسؤوليتها عن غزة وان تسلم المسؤولية الى جهات مرتبطة بالصهيوني او بمن يمثله من العرب…الخ.
رغم هذه الأشكال اللئيمة التي تعتمد للحرب على المقاومة، فاننا نؤكد ان المقاومة مستمرة حتى لو كانت الظروف صعبة والاعداء يتكالبون من كل جهة لماذا:
اولا: لان المقاومة جهاد، (والجهاد ماض الى يوم القيامة لا يعطله جور جائر ولا عدل عادل، كما ورد في الحديث الشريف)، ولقد مرت في تاريخنا كثير من الفترات ظن فيها الناس ان الجهاد قد انتهى وان الامة قد استسلمت للعدو المتفوق، حتى في ايام الرسول صلى الله عليه وسلم حصلت هزيمة، هزيمة أحد، وهزائم اخرى، وارتد العرب جميعاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الا القليل ، ثم بعد ستة اشهر استُئنفت الفتوحات وكانت اليرموك والقادسية … الخ.
وكانت الحروب الصليبية، حروب الفرنجة، وحروب التتار، وظل الجهاد قائماً، فكانت حطين وعين جالوت … الخ، وفي عصرنا الحديث “هَزَمنا” الاستعمار الحديث واستُعمرنا وفرض علينا لغته واسلوب حياته: ماذا عن الجزائر؟ اكثر من 120 سنة من الاحتلال وملايين الشهداء، ثم وقف الضابط الفرنسي على تلة مطلة على مدينة الجزائر وقال بلؤم بالغ: اين محمد الآن؟؟ وها هي اليوم هذه التلة تسمى المحمدية ويشاد عليها مسجد من اكبر المساجد في العالم واكثرها تميزاً، لم يوضع في بنائه شيء الا من انتاج الجزائر … الخ، هذا على سبيل المثال.
اما على الصعيد الجهادي، كانت الدول التقليدية تحمل لواء فلسطين ثم انكشفت بهزيمة النكبة عام 1948: السلاح الفاسد، وخذلان الجامعة العربية للشهيد عبد القادر الحسيني، ولجيش الانقاذ كله حيث ترك بغير سلاح وذخيرة … الخ، فقامت الانظمة الثورية رفعت لواء فلسطين ورفعت الشعارات العالية وهُزمت في العام 1967، فقامت المقاومة الفلسطينية، واوصلت القضية الفلسطينية الى المحافل الدولية، ثم انتهى دورها المباشر في اجتياح 1982، فقامت المقاومة الاسلامية، فكانت افضل وأدوم من غيرها، في العام 1987، تعثرت المقاومة الاسلامية قليلاً لاسباب داخلية، فكانت الانتفاضة الاولى التي استمرت ست سنوات وانتهت بهزيمة سياسية، اتفاق اوسلو، فقامت الانتفاضة الثانية وكانت اقوى وأقدر … الخ، وهكذا… تستمر المسيرة، وخرجت مصر من الصراع ، وبعد شهرين دخلت ايران (… وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) (محمد – 38)… وهكذا…
ثانيا: هذه قضية ترتبط مباشرة بالقرآن: عندما حدثنا تعالى في اول صفحة من سورة الاسراء عن علو بني اسرائيل وفسادهم، والدخول الى المسجد الاقصى ختم الآيات بقوله: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9))، وفي آخر السورة، عندما تحدث عن اجتماع الصهاينة في ارض فلسطين تحضيراً لنهايتهم (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104))، ختم الآيات بقوله (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105))… فان كنا نؤمن بالقرآن الكريم كمعجزة باقية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، فعلينا ان نؤمن بزوال اسرائيل واستمرارية المقاومة … الخ، كما ان قوة الصهاينة اليوم عبر عنها القرآن بقوله (… وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)) ، اي اكثر قدرة على استنفار العالم، وهذا ما نراه اليوم، ولكن بعد ذلك يأتي الوعد الرباني(وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ).
ثالثا: ما البديل؟ المقاومة قوية بأخصامها: ان اخصام المقاومة لم يفلحوا في شيء، ولم يقدموا اي مشروع بديل، ها هي الدول التي سارت بالتطبيع والمعاهدات المذلة، تعيش الازمات الاقتصادية والسياسية، وتعجز عن القليل القليل، ورغم كل ما قدمت من تنازلات، فها هو الرئيس الاميركي يحتقرهم ويتخلى عنهم، لقد رأينا ما حصل للملك عبد الله في البيت الابيض، ورأينا الاستخفاف الاميركي بالموقف العربي الرافض لتهجير اهل غزة، وماذا عن كذبة الدين الابراهيمي؟ هل ثمة انسان واحد يؤمن به كبديل عن عقيدة المقاومة بل عن العقيدة الاسلامية بشكل عام؟؟؟.
رابعا: الصهيوني نفسه يعترف من خلال الصحافة والضباط المتقاعدين، والتقارير الامنية التي تتسرب انه مهزوم امام المقاومة وانه لا يستطيع القضاء على المقاومة، وان خسائره، من المنظور الصهيوني، خسائر فادحة … الخ ثم يكرر نتنياهو: كيف نقبل بدولة فلسطين، وقد رأينا ما فعلت غزة المحاصرة المحدودة المساحة والمكشوفة لأجهزتنا، فكيف نعطيهم دولة فلسطين على حدودنا؟. اذن لا حل من خلال دولة فلسطينية، ولا حل الا بالمقاومة.
خامسا: التجربة اكبر برهان: وهنا نتوجه بشكل خاص للرئيسين جوزاف عون ونواف سلام وسائر وزراء الحكومة الجديدة المدججة بأفضل الشهادات من العالم، واغنى التجارب في المحافل الدولية، نقول ان هذه الشهادات والخبرات لن تنفع ان لم يكن واضحا في اذهانكم جميعا ان الخطر الاكبر على لبنان هو الصهيونية بكل قدراتها: يستوي في ذلك المقاوم والمسالم، المسلح والمدني، المسلم والمسيحي، الجنوبي والشمالي، وكافة الفئات، وان المقاومة بأشكالها المتعددة ستبقى مع الجيش والشعب الدرع الواقي للبنان.
هنا نتذكر الطرفة التي تروى لنا منذ الطفولة، حيث كان انسان مثقف معجب بشهاداته ومقامه الاجتماعي في زورق صغير مع بحار أمي: فكان يسأله، هل تعلمت هل حصلت على شهادات هل تبوأت مناصب معينة؟ وكلما اجابه البحار المتواضع بالنفي، كان يقول له ذهب نصف عمرك سدىً، ثم هبت ريح قوية واوشك الزورق الصغير على الغرق، فقال البحار للمثقف الكبير هل تعلمت السباحة؟ قال لا، قال ذهبت كل حياتك سدى، وهكذا، امر بسيط ، نسبياً، قد تكون اهم من كل الشهادات والخبرات، ان استيعاب الخطر الصهيوني والتصرف على هذا الاساس اهم من كل الشهادات والخبرات، واهم من كل الدعم الخارجي والداخلي.
نذكّر ان الرئيس امين الجميل جاء عام 1982 بـ 77 صوتاً، كان يُعتبر هذا الرقم اجماعاً، ورحب به الجميع وتلقى اكبر دعم دولي، ودعمته القوات المتعددة الجنسية، ولكنه لم يع خطر الصهاينة ووقف في وجه جمهورها فتجاوزته الاحداث. نقول بالفم الملآن: احذروا الخطر الصهيوني بكل ابعاده، وتصرفوا على هذا الاساس، والا… ستتجاوزكم الاحداث.
سادسا: الذين يدعمونكم فيما يسمى المجتمع الدولي قد يتخلون عنكم في اية لحظة: الا ترون كيف تخلى ترامب عن زيلنسكي، بل حمّله مسؤولية الحرب، وتخلى عن اوروبا التي بذلت من ميزانياتها ما احدث خللاً في معيشة مواطنيها دعماً للحرب في اوكرانيا: اليوم اوروبا تصرخ في وجه ترامب، وماذا تمثلون انتم بالمقارنة مع اوروبا؟ اياكم والثقة الكبيرة بما يسمى بالمجتمع الدولي، شعبكم وشعب المقاومة سيكون افضل داعم لكم من الدعم الدولي الزائف المتبدل.