رحلة أملٍ في صيدا: 40 طفلاً يستعيدون السمع في مستشفى الهمشري

محمد دهشة

 في بلد أرهقته الأزمات، وتحت وطأة اللجوء المزمن، ينسج الفلسطينيون في لبنان قصص صمودهم اليومية بين جدران المخيمات والمستشفيات المكتظة بالآلام. وبينما تتآكل فرص العلاج بفعل قسوة الظروف، تلوح بارقة أمل جديدة من قلب مستشفى الهمشري في صيدا، حيث تُطلق مبادرة إنسانية تحمل في طياتها أصوات الحياة لمن حرموا منها.

بتمويل من الإغاثة الإسلامية، وتنفيذ مؤسسة “من حقي أسمع”، وبدعم من شركة “ميد إل” النمساوية و”هيرلايف”، تنطلق في العاشر من أيار المقبل أضخم حملة لزراعة القوقعة السمعية في لبنان، مستهدفة أربعين طفلاً من اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، الذين طالما خنقتهم العزلة عن العالم من حولهم.

هذه المبادرة، التي تُعد الثانية من نوعها في لبنان، سيُعلن عنها خلال مؤتمر صحفي برعاية سفير دولة فلسطين في لبنان، أشرف دبور، يُعقد في قاعة المحاضرات بمستشفى الهمشري – صيدا، الساعة الحادية عشرة قبل الظهر. ويتخلل المؤتمر الإعلان عن توقيع اتفاقية تعاون بين مؤسسة “من حقي أسمع” والمستشفى لتأسيس “مركز السمع والنطق” الدائم، في خطوة تهدف إلى تحويل العلاج من مبادرة طارئة إلى مشروع مستدام يخدم أجيالًا قادمة.

على امتداد سنوات طويلة، عانى اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من حرمان قاسٍ في حقهم بالرعاية الصحية، لا سيما في مجالات دقيقة مثل السمع والنطق، حيث كانت تكاليف العلاج الباهظة والحواجز الإدارية تقطع الطريق أمام أمل صغير كان يمكن أن يعيدهم إلى حضن الحياة. ومع انقطاع الدعم الحكومي، توقفت عمليات زراعة القوقعة لما يقارب خمس سنوات، مخلفةً وراءها مئات الأطفال الذين عاشوا في صمت قاسٍ، محاصرين بعجز الكلمات والأصوات.

اليوم، يحمل المشروع الجديد طابعًا إنسانيًا عابرًا للجنسيات، إذ لا يقتصر على اللاجئين الفلسطينيين وحدهم، بل يشمل أطفال لبنان وسوريا الذين تقاطعت مصائرهم فوق أرض تعبث بها الأزمات. بين يدَي الدكتور حسن دياب، أحد أبرز جراحي زراعة القوقعة في العالم، وبمشاركة الدكتور هشام الموسوي والدكتور محمد المعياري، وأطباء التخدير وفريق التمريض المتخصص في الهمشري، ستُنسج حكايات استعادة السمع بنبض إنساني يخطو بثقة نحو المستقبل.

مؤسسة “من حقي أسمع”، التي تأسست عام 2020، لم تكتفِ بزراعة القوقعة، بل أرست دعائم بنية طبية متكاملة تشمل تدريب الجراحين المحليين وأخصائيي السمع والنطق وتجهيز المستشفيات بالمعدات اللازمة، ليكون العمل الإنساني مستمرًا لا تحدّه حدود المناسبات أو الأزمات.

وفي الوقت الذي تشير فيه منظمة الصحة العالمية إلى أن 430 مليون شخص حول العالم يعانون فقدان السمع، من بينهم 34 مليون طفل، يصبح لهذا المشروع وزنه الإنساني الكبير، خاصة أن التقديرات تتوقع أن يتفاقم العدد ليصل إلى 700 مليون بحلول عام 2050.

في فلسطين، حققت المؤسسة إنجازًا نوعيًا بالوصول إلى الزرعة رقم (300) نهاية العام الماضي، وسط دعم مجتمعي واسع من مختلف الأطياف. واليوم، يمتد هذا الحلم إلى لبنان، محاولًا أن يمنح الأطفال حقهم الفطري في السمع والكلام، ويفتح أمامهم أبواب الاندماج مع العالم بعد سنوات من الغربة الصامتة.

بين جدران مستشفى الهمشري، لا تجرى فقط عمليات جراحية، بل ستولد من جديد أصوات الضحك والنداء والأمل… هناك، حيث يلتقي العلم مع الرحمة، تتحول المعاناة إلى قصة انتصار على الصمت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى