المختار محمد بعاصيري: وجه صيدا الإنساني… وصوت أهل الدكرمان

محمد دهشة
في أزقة حي الدكرمان، وفي قلب صيدا التي ما زالت تنبض بعراقتها، تبرز سيرة رجلٍ تخطّى حدود الوظيفة الرسمية ليصبح مرآةً حقيقيةً لوجع الناس وأملهم. محمد بعاصيري، المختار الذي لا تقتصر مهامه على ختم المعاملات، بل يَختم بحضوره ثقة الناس، ويوقّع بحكمته على عقود من المحبة والوفاء.
لا يحمل محمد بعاصيري صفة “المختار” كوظيفة روتينية، بل كدور مجتمعي ينهض به بكل جدّية ومسؤولية. في زمنٍ ازدادت فيه تعقيدات الدولة وبهتت فيه وجوه الخدمة، فتح بعاصيري بيته ومكتبه لكل من قصده. تجد عنده حلّ النزاعات قبل أن تُرفع للمحاكم، ويدًا تمتدّ بالمساعدة قبل أن تُطلب.
من صالون الحلاقة المتواضع، حيث تمتزج رائحة العطر بحديث الوطن، ولدت مائدة دائمة للحوار. هناك، لا تُناقش فقط قصّات الشعر، بل تُطرح قضايا الناس، تُبنى جسور الثقة، وتُروى الحكايات التي لا تجد لها آذانًا في الإدارات الرسمية.
في الوقت الذي تهاوت فيه الرايات في زحمة الانقسامات، ظل العلم اللبناني يرفرف في صالونه، لا كقطعة قماش على الجدار، بل كقَسَمٍ يومي يتجدّد بأن الوطن لا يُختصر بزمن، بل يُختصر بالناس. يرى بعاصيري في لبنان مظلّة يجب أن يتسع ظلّها للجميع، رغم الخلافات، لأن ما يجمع اللبنانيين أكبر من أن تفرّقه الطوائف والسياسات.
حضور بعاصيري لا يقتصر على الحي، بل يمتدّ إلى المناسبات العائلية والاجتماعية، يشارك أبناء عائلته في لقاءات رابطة آل بعاصيري، لا بصفته الرسمية، بل كأخٍ أكبر، يحرص على ترابط الأجيال، ويؤمن أن العائلة المتماسكة هي النواة الصلبة التي يُبنى عليها مجتمع سليم.
“القيمة ليست في الورق، بل في الموقف. والهوية لا تُحفظ بالهوية الشخصية، بل بالانتماء الحقيقي”، هكذا يردد دائمًا، مؤكدًا أن التربية، والأخلاق، والعلم، هي ثلاثية النجاة لأي مجتمع يسعى للنهوض.
لم يغفل المختار عن همّ الشباب، فلطالما حمل قضاياهم في قلبه وصوته. في كل جلسة، يؤكد أن الشباب المتعلّم هو الركيزة الأساسية في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات. يرى في التعليم أداة للتحرّر من الجهل والفقر، ويؤمن أن كل استثمار في الشاب هو ربح للوطن بأكمله.
صالونه ليس مجرّد مساحة لحلاقة الشعر، بل منصة للحوار الحرّ. هناك، تتقاطع الآراء، وتتصادم الأفكار، لتخرج أحيانًا برؤية لحل مشكلة ما، أو مبادرة تطال الحيّ بأكمله. لتصنع نموذجًا فريدًا في العمل الاجتماعي الشعبي.
حين يذكر بعاصيري صيدا، يذكرها كأم، لا كمدينة. يرتبط بها ارتباط الابن بتراب البيت، ويأمل أن يرى شوارعها أكثر نظافة، وأهلها أكثر تماسكًا، ومؤسساتها أكثر عدلًا. “صيدا مرآتنا، إن صلحت، صلح حالنا”، يقولها ببساطة، لكنها تختصر كل الحكاية.
بعاصيري ليس مجرّد اسم في سجلات الدولة، بل حالة إنسانية حيّة، تجمع بين الحرفة والرسالة، وبين الماضي الذي يحفظه في كتبه وأوراقه، والمستقبل الذي يصنعه بكلماته ومواقفه. هو ذاكرة حيّ، وصوت من لا صوت لهم، وأمل كل من يبحث عن العدالة في زمنٍ عزّ فيه العدل.
بعاصيري اليوم يجدد ترشحه للمقعد الاختياري في حي الدكرمان في صيدا متحالفا مع رفيق دربه المختار ابراهيم عنتر اللذين شكلا نموذجا رائعا للتعاون بين المخاتير في السرائ والضراء وفي كل المناسبات والظروف وداخل رابطة مخاتير صيدا.
وختم المختار بعاصيري بمقولة عزيزة على قلبه وما زال يرفعها في مكتبه وتقول “أخبر جدي والدي، ووالدي اخبرني وأنا أخبرت ولدي وولدي أخبر حفيدي… بأن صيدا أصيلة بتراثها وشعبها، وعلينا أن نحافظ عليها لتحفظنا”.