المجلس الأعلى للدفاع يبحثه اليوم… وعباس يزور بيروت في 21 مايو

بتمهّلٍ ولكن بثبات، يخطو الحُكْمُ الجديد في لبنان نحو بَسْطِ سلطة الدولة، وهو القرار المتَّخَذ الذي أتيح التقاطُه في ضوء التحولات العاصفة في المنطقة التي شقّت طريقَها من طوفان الأقصى ونتائجه المدمّرة، وحرب لبنان الثالثة «الزلزالية»، وسقوط «حُكْمِ الأسديْن» في سورية، واقتياد إيران إلى مُفاضَلَةٍ بين الحرب أو الإذعان للأجندة الأميركية.

وبدءاً من جنوب الليطاني، هو المسارُ الذي تَعَهَّدَ لبنان الجديد بسلوكه لجمْع السلاح بيد الدولة وفق إعلانٍ صريحٍ من الرئيس اللبناني العماد جوزف عون أخيراً بأن الجيش اللبناني بات يسيطر على نحو 85 في المئة من منطقة جنوب النهر وأن ما يعوق تَوَسُّعَ انتشاره هو استمرار اسرائيل في احتلال التلال الخمس المتاخمة للحدود الدولية.

ولم يكن عابراً في هذا السياق الكشفُ عن أن الجيش اللبناني نفّذ نحو 500 عملية دَهْمٍ لمعسكراتٍ ومواقع ومنشآت تعود إلى «حزب الله» جنوب الليطاني إضافة إلى عمليات محدودة شمال النهر، إذ ان تنفيذ القرار المُتَّخَذ بتسليم حزب الله لسلاحه إلى الدولة يَنتظر حواراً ثنائياً بين عون والحزب الذي يُغْرِقُ هذا الملف الاستراتيجي بشروطٍ تعكس عدم رغبته في التسليم باحتكار الدولة دون سواها لحمْل السلاح.

ورغم أن مصير ترسانة «حزب الله» يحتلّ صدارةَ هذا الملف على نطاق واسع، فإن ملفاً رديفاً وقديماً بدأ يطفو على سطح المشهد السياسي في لبنان اسمُه سلاح المخيمات الفلسطينية الذي وُضع طويلاً في «الثلاجة» لأسباب إقليمية تتصل بحقبة الوصاية السورية ومعها الإيرانية على لبنان.

وما سرّع في الاتجاه الى وضْع السلاح الفلسطيني على الطاولة، كان تَوَرُّطُ عناصر مجموعاتٍ من حركة «حماس» في إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على شمال إسرائيل في حادثتيْن متواليتيْن، الأمر الذي استدرج اسرائيل للقيام بغارات جوية على الضاحية الجنوية لبيروت، وسط تلويحٍ من تل أبيب بمعادلة «بيروت مقابل الجليل».

واليوم يَعقد المجلس الأعلى للدفاع اللبناني أول اجتماعٍ له في عهد عون وبرئاسة الأخير، وذلك عشية بدء أول جولات الانتخابات البلدية والاختيارية (بعد غد)، حيث يُتوقَّع أن يَبحث في جانبٍ منه واقع المخيّمات الفلسطينية وعملية إطلاق الصواريخ ونتائج التحقيقات في هذه القضية وعلاقة عناصر من «حماس» بها لم يتم تسليمهم بعد، وسط تَرقُّبِ قراراتٍ يمكن أن تُتَّخذ في هذا الإطار قبيل جلسة مجلس الوزراء بعد الظهر.

ويأتي إنزالُ قضية السلاح الفلسطيني من «على الرفّ»، مدفوعاً بزخمٍ داخلي وخارجي يضع الدولةَ اللبنانيةَ أمام استحقاقِ فرْض سيادتها الكاملة، بما في ذلك داخل المخيّمات التي شكّلت لعقودٍ مناطقَ خارجة عن السيطرة الرسمية، وفي ظل التزامِ لبنان ضمن اتفاق وقف النار مع إسرائيل في 27 نوفمبر 2024، بتطبيق القرار الدولي 1701 الذي ينصّ على أن يكون جنوب الليطاني خالياً من سلاح حزب الله و«أخواته» وحصْر السلاح بيد الدولة وحدها وسيطرتها على قرار الحرب والسلم.

وتُشير مصادر سياسية لـ «الراي» إلى أن التطبيق بعد منطقة جنوب الليطاني قد يبدأ ببعض المخيمات الفلسطينية الواقعة خارج هذا النطاق الجغرافي، وهي: الرشيدية، البص، والبرج الشمالي، على أن يُستكمل لاحقاً في المخيمات الأخرى وفق مخرجات الحوار اللبناني – الفلسطيني حول الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين.

عباس يزور لبنان

وفي السياق، يقوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة رسمية للبنان في 21 مايو الجاري.

وبحسب مصادر فلسطينية مطّلعة، فإن الترتيبات البروتوكولية للزيارة بدأت فعلياً، ويتولاها السفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبور، وسط تقديراتٍ بأن يكون مسألة السلاح الفلسطيني على طاولة البحث ضمن جدول أعمال الزيارة رسمياً.

ورغم أن «أبومازن» سبق أن زار لبنان في محطات عدة (2009، 2017 و2021)، إلا أن الزيارة المرتقبة هذه المرة تكتسب طابعاً استثنائياً، نظراً لحساسية المرحلة والمتغيرات الإقليمية، والأهمّ بفعل المواقف الواضحة التي أعلنها بنفسه أخيراً خلال اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله، حيث قال «لا يحق لنا استعمال السلاح في لبنان»، في رسالةٍ بدت موجّهة مباشرة لتأكيد احترام سيادة الدولة اللبنانية، وفتْح الباب أمام مقاربة جديدة لهذا الملف الشائك.

وقد جاءت هذه المواقف منسجمةً مع أجواء اللقاء الثنائي الذي جمع عباس مع عون في 4 مارس الماضي على هامش القمة العربية الطارئة في القاهرة، حيث جدّد «ابومازن» دعمه لجهود الدولة اللبنانية في بسط سلطتها على كل أراضيها، بما يشمل المخيمات الفلسطينية.

حوار لبناني – فلسطيني

وتؤكد المصادر أن تسليم السلاح لن يتم إلا من خلال حوار رسمي لبناني – فلسطيني يقوده عباس بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

ويُنتظر أن يُشكّل هذا الحوار أرضيةَ تَفاهُمِ تسمح بالتقدّم بخطوات هادئة ومتدرجة، بعيداً عن أي صِدام أو انفجار أمني داخل المخيمات.

ووفق المصادر، فإن ما يساهم في هذه الخطوات هو التحولات الداخلية والإقليمية الكبيرة، وأبرزها: استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وجنوب لبنان، تَقَدُّمَ الحوار الأميركي – الإيراني والأهمّ قفْل ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بعد سقوط النظام السوري برئاسة بشار الأسد وتَسَلُّم الجيش اللبناني المواقع العسكرية التي كانت تسيطر عليها تنظيمات مثل «فتح الانتفاضة» و«الجبهة الشعبية – القيادة العامة».

ومن جهة الدولة اللبنانية، تُظْهِرُ الحكومةُ الحاليةُ نبرةَ أكثر هدوءاً وتوازناً في التعاطي مع هذا الملف، حيث خلا بيانُها الوزاري وخطاب القَسَم للرئيس عون من أي تهديدات مباشرة بنزع السلاح بالقوة، وركّز على ضرورة بسط سلطة الدولة مع احترام كرامة اللاجئين الفلسطينيين، ورفْض التوطين، والتمسك بحق العودة كأحد ثوابت القضية الفلسطينية.

وتم في 24 مارس الماضي تعيين السفير رامز دمشقية رئيساً لفريق العمل اللبناني المعني بملف اللاجئين الفلسطينيين، في خطوةٍ فُهمت على نطاق واسع كمؤشرٍ سياسي لنية الدولة فتْح قنوات تواصل مباشر مع الفصائل الفلسطينية. وقد باشر دمشقية مهماته بلقاء السفير الفلسطيني أشرف دبور، تلاه اجتماع مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك.

لكن رغم كل المؤشرات، تبقى تساؤلات مفتوحة حول شكل التمثيل الفلسطيني في الحوار: هل ستكون منظمة التحرير الفلسطينية وحدها هي الطرف المُحاوِر بصفتها المرجعية السياسية؟ أم أن هيئة العمل الفلسطيني المشترك، التي تضم جميع الفصائل بما فيها «حماس»، ستكون شريكاً؟ أم أن الحوار سيجمع الطرفين معاً؟

وفي الإطار، تلتزم حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير، الصمتَ الحَذِر، مفضّلةً أن يتم الحوارُ عبر المنظمة فقط، لكنها في الوقت نفسه تبْدي خشيةً من عرقلة تطبيق أي اتفاقٍ أو تسليمِ سلاحها من دون القوى الأخرى، أو حتى تكرار سيناريوات دموية كما حصل في مخيم نهر البارد.

صواريخ «حماس»

من جهتها، تؤيد «حماس» ومعها بعض فصائل تحالف القوى الفلسطيني أن يُدار الحوارُ من خلال هيئة العمل الفلسطيني المشترك، باعتبارها الممثل الجامع للقوى الفلسطينية.

وتُصرّ على ألا يقتصر النقاش على البُعد الأمني، بل أن يشمل أيضاً القضايا الاجتماعية والسياسية التي تمس حياة اللاجئين وكرامتهم.

وتُشير مصادر فلسطينية إلى أن «حماس» تعمل على التهدئة وتَفادي التصعيد، إذ انها لاتزال تواجه تداعيات إطلاق صواريخ من جنوب لبنان – والذي اتخذتْه إسرائيل ذريعةً لقصف الضاحية الجنوبية لبيروت ومواقع لبنانية أخرى – بالإضافة إلى قضية خلية «الإخوان المسلمين» التي تم ضَبْطُها في الأردن والتي يُتهَّم عناصر منها بأنهم تلقوا تدريبات في مخيماتٍ لبنانية بالتنسيق مع الحركة.

وفي خضم كل هذه التعقيدات، تكشف المصادر نفسها أن أي جهة فلسطينية لم تتبلّغ رسمياً حتى الآن أن ملف السلاح قد وُضع فعلياً على طاولة الحوار.

فآخِر اجتماع للجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني برئاسة دمشقية لم يأتِ على ذكر السلاح، بل اقتصر على استكمال تشكيل فريق العمل وتعزيز قنوات التعاون بين الجانبين، فهل ينطلق قطار بحث هذا الملف اليوم؟

في المحصّلة، تبدو الأرضية مهيّأة لفتْح حوار جدي حول مستقبل السلاح الفلسطيني في لبنان، لكن من دون إعلان رسمي حتى الآن.

وبين المواقف الهادئة للدولة اللبنانية، والانفتاح النسبي في المواقف الفلسطينية، تقف المخيمات في قلب معادلة معقّدة تتطلب مقاربة دقيقة تحمي أمنها واستقرارها، وتُراعي في الوقت نفسه ثوابت اللاجئين وحقوقهم، والحقّ السيادي للدولة اللبنانية.

اللجوء الفلسطيني… خريطة وأرقام

يصل عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجّلين لدى وكالة «الأونروا» في لبنان إلى نحو 489 ألف نسمة، وفق إحصائها في مارس 2023، ولكن في التحقّق الرقمي الأخير الذي أجرتْه في 2025، تبيّن أن عدد المستفيدين من خدماتها يبلغ نحو 222 ألف لاجئ، يُضاف إليهم نحو 29 ألف لاجئ فلسطيني ممّن نزحوا من سورية إلى لبنان.

ويعيش نحو 45 في المئة منهم في 12 مخيماً رسمياً، هي: الرشيدية والبصّ والبرج الشمالي (منطقة صور)، عين الحلوة والمية ومية (منطقة صيدا)، برج البراجنة وصبرا وشاتيلا ومار الياس وضبية (منطقة بيروت)، البداوي ونهر البارد (منطقة الشمال) والجليل (البقاع)، فضلاً عن تجمعات عشوائية غير رسمية.

وتتوزّع القوى الفلسطينية في لبنان على أربعة أطر: فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها فتح، الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وجبهة التحرير الفلسطينية؛ وتحالف القوى الفلسطينية وعلى رأسه «حماس» و«الجهاد» ومنظمة الصاعقة والقيادة العامة؛ والقوى الإسلامية وعلى رأسها عصبة الأنصار الإسلامية والحركة الإسلامية المجاهدة، ناهيك عن تنظيم أنصار الله. فيما تلعب السفارة الفلسطينية بقيادة السفير أشرف دبور دوراً بارزاً في الملف الفلسطيني في لبنان.

في أعقاب حرب عام 1948، تم تأسيس «الأونروا» بموجب القرار الرقم 302 (رابعاً) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر 1949، بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين. وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من مايو عام 1950. وفي غياب حلٍّ لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخِرها تمديد عملها لغاية 30 يونيو 2026.

وتُعتَبَر منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، وفي لبنان تم تشكيل هيئة العمل الفلسطيني المشترك برعاية رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه بري، كإطارٍ جامع لكل القوى الفلسطينية، على اعتبار أن بعضها، وخصوصاً حماس والجهاد الإسلامي، غير ممثلين في إطار المنظمة، وذلك لمتابعة أوضاع المخيمات السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى