18 عاما بعد النزوح.. أم جنوبية تعود للملجأ نفسه برفقة ابنها

صيدا- “تنذكر وما تنعاد” تلك المقولة التي طالما رددتها الحاجة أمل عقيقة غرابي، النازحة من بلدة شقرا في قضاء صور إلى أحد مراكز الإيواء في صيدا – ثانوية الإصلاح الرسمية المختلطة، تشبه المفتاح الذي يفتح باب الألم والذكريات.

هذا المركز الذي كان ملاذها في عدوان يوليو/تموز 2006، عاد ليجمعها من جديد في مواجهة كابوس مزدوج: ذكريات حرب مضت، ومخاوف من حرب جديدة تحمل في طياتها مستقبلا مجهولا، لكن روحها ما زالت تتعلق بأمل العودة، كما فعلت كل مرة.

بعد 18 عاما من آخر رحلة نزوح، تجد الحاجة أم علي نفسها تسلك المسار ذاته، لكن المفارقة أن علي، الطفل الذي حملته في بطنها آنذاك، وقد وُلد في ظروف قاسية، أصبح اليوم شابا، ويرافقها في رحلة نزوح جديدة إلى المكان نفسه الذي شهد مولده.

التاريخ يعيد نفسه

تتحدث الحاجة أم علي للجزيرة نت بعينين غارقتين في الذكريات: “ما أشبه الأمس باليوم، وكأن التاريخ يكرر نفسه أمامنا، كنت دائما أقول عندما أزور صيدا وأمر قرب المدرسة: تنذكر وما تنعاد. لكن اليوم، عادت إسرائيل بحرب جديدة على الجنوب، قتلت المدنيين، أجبرتنا على النزوح، ودمرت بيوتنا وأحرقت أشجارنا”.

تستعيد الحاجة أم علي ذكرياتها في مركز الإيواء الذي لجأت إليه عام 2006 حيث تعود اليوم برفقة ابنها الذي أنجبته في هذه المدرسة
الحاجة أم علي تستعيد ذكرياتها في مركز الإيواء الذي لجأت إليه عام 2006 حيث تعود اليوم برفقة ابنها (الجزيرة)

وتضيف، بينما تجلس على مقعد دراسي خشبي وتسترجع مشهدا يتكرر بمرارة، “في عام 2006، كنت حاملا بعلي. تركنا شقرا في بيك آب (سيارة نقل) وانتقلنا إلى صيدا، وكانت الطريق محفوفة بالمخاطر، الطائرات تحلق فوق رؤوسنا. واليوم، نزحنا من جديد تحت القصف إلى المركز نفسه، التعب والصعوبات لا تُحصى، لكن بالصبر اجتزناها، كما فعلنا سابقا”.

تتابع بتنهيدة: “لا أنسى تلك الأيام أبدا، كنت متعبة وقريبة من الولادة، بعد 7 أيام في المركز، أنجبت علي، لكن الأزمة كانت أقسى مما تصورت، والتهاب الجرح أجبرني على العودة للمستشفى مرة أخرى”.

العودة مع كل تهجير

ورغم قساوة الظروف، تتذكر أم علي كيف احتفل النازحون بولادة علي، ووزعوا الحلوى والمغلي، كأنهم يتحدون الحرب بالفرح، وتقول بابتسامة: “اليوم، علي أصبح شابا في الـ18، وما زلنا نكرر الرحلة نفسها، عدنا إلى التاريخ نفسه، لكنني واثقة أننا سنعود إلى بلدتنا كما عدنا في الماضي. دائما كان الصبر رفيقنا، واليقين بالعودة لا يفارقنا”.

وتتابع بحزم: “مع كل نزوح، كنا واثقين من أننا سنعود. بفضل تضحيات الشهداء والمقاومين، سنعود إلى أرضنا الغالية. صبرنا هو مفتاح الفرج، وهذه الأرض التي ارتوت بدمائهم ستبقى لنا.”

ثمانية عشر عاما مرت والمشهد يتجدد مع عودة الحاجة أم علي إلى مركز الإيواء نفسه
18 عاما مرت والمشهد يتجدد مع عودة الحاجة أم علي إلى مركز الإيواء نفسه (الجزيرة)

لا تزال أم علي تُصر على أن الجنوبيين، رغم كل التحديات، لن يتخلوا عن أرضهم، وتؤكد: “شعب الجنوب اعتاد تقديم التضحيات، ونحن لن نتردد في تكرار ذلك اليوم. شبابنا مثل الورود، يقدمون أرواحهم فداء للأرض والكرامة، منذ 2006 حتى اليوم، ما زلنا ثابتين على عزيمتنا، وسنعود إلى أرضنا بفضل صبرنا وصمودنا”.

وتختتم كلماتها بقولها: “لن نتخلى عن أرضنا، وسنعود مكللين بكرامة الشهداء والمقاومة التي تحمينا. هذه الأرض التي ارتوت بدماء أحبائنا، لن نتركها أبدا. وسنعود دائما منتصرين”.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى