محمد دهشة: صيدا… مدينة لا تصمت حين تصرخ غزة

في زمنٍ بلعت فيه المدن ألسنتها،
وفي وقتٍ صار فيه الحياد شكلًا من أشكال الخيانة،
وقفت صيدا… لا كمدينة، بل كقصيدة تُتلى في وجه الجلاد.
رفعت صوتها حين خفض الجميع رؤوسهم،
نادت بإسم غزة حين خاف الآخرون حتى من الهمس،
وأعلنت أن الدم الفلسطيني ليس خبراً عابراً،
بل هو جرح في خاصرة كل من بقي فيه نبض إنسان.
صيدا، المدينة التي لم تغيّر جلدها،
ولا ساومت على تاريخها،
ولا باعت ذاكرة اللجوء على أرصفة السياسة.
حملت القضية في الأسواق، في المدارس، في الأزقة، في الشرفات،
وغنت لفلسطين كما يغني البحر للشمس ساعة الغروب.
في شوارعها، يُرفع علم فلسطين كما يُرفع الأذان،
وفي وجوه ناسها، تشبه الحكايات حكاية اللجوء الأول،
والخيمة الأولى، والمفتاح المعلّق على جدار الانتظار.
لم تكن صيدا يومًا على الهامش،
بل كانت دائمًا في قلب النار، تُطفئها بالكرامة،
وتصنع من تضامنها مع غزة درعًا في وجه النسيان.
تُدرك صيدا أن فلسطين ليست حدودًا،
بل وجدان،
وأن غزة ليست مكانًا،
بل امتحانًا للضمير.
ولهذا… حين خرست العواصم،
تكلّمت صيدا،
لا بالبيانات،
بل بالفعل، والنبض، والموقف.
لأنها تعرف أن الصمت جريمة،
وأن السكوت عن الدم، دمٌ آخر يُسفك.