محمد حسيب البزري: «انتخابات بلدية صيدا… لا تُشبه نفسها مرّتين!»

صيدا، المدينة التي اعتادت أن تعيش على إيقاع الحدث؛ أخبارها لا تهدأ، وفي كل صباح احتمال جديد، وفي كل مساء ختام على مفاجأة!


الآن، دقّت ساعة البلدية وانتخاباتها، ولكن ليس كعادتها. لا النواب كما نعرفهم، ولا المرشحين كما اعتدناهم، ولا الناس كما كانوا، ولا حتى موظفو البلدية الذين كانوا في الماضي يتناقلون همسات الممرات: “مين جايي؟” و”شو سمعت؟”، اليوم يكتفون برفع الحاجب، بنظرة تقول: “شو بعرفني؟”.

النواب؟
في الزمن الماضي، كان نائب المدينة يدخل على الخط ويرسم خارطة التحالفات “بالمسطرة”، يرفع هذا ويقصّ ذاك، ويقول كلمته التي “تمشي”. أما اليوم، فصمتٌ مريب! كأنهم قرروا أن يراقبوا من بعيد، أو ينتظرون مفاجأة، أو ربما يتمنّون أن تُلغى الانتخابات بـ”سحر ساحر”.

المرشحون؟
أين هم؟ كانوا يملأون الشوارع صورًا ووعودًا، يزورون البيوت، ويوزعون ابتساماتهم كما يُوزّع المعمول في العيد.
اليوم؟ بعضهم ما زال يبحث عن صورته القديمة ليعيد استخدامها، وآخرون ينتظرون إشارة من الغيب، حتى الوجوه الجديدة، وإن ظهرت، تبدو كأنها في تجربة أداء، خطواتها مترددة، وثقتها مهزوزة.

الناس؟
الجمهور الصيداوي كان يومًا يشتبك انتخابيًا، يعلّق، يحلّل، ويتحمّس. أما اليوم، فبين اليأس من الواقع، والريبة من كل جديد، يقف في المنتصف: لا بارد ولا ساخن.
يقول بعضهم: “ما بدنا ننتخب، شو تغيّر من آخر مرة؟”، ويجيب آخرون: “ماشي الحال، بس خلينا نشوف مين جاي!”

حتى البلدية نفسها؟
يا سبحان الله! موظفوها – الذين كانوا يتحوّلون في موسم الانتخابات إلى نُقّاد سياسيين ومحللين ميدانيين – باتوا اليوم أكثر انشغالًا بالقهوة من انشغالهم بـ”مين جايي رئيس؟”.
الحكاية فقدت إثارتها، أو كأننا في فيلم قديم يُعاد للمرة العاشرة.

أين الصور؟ أين الشعارات؟ لا “نحن لها”، ولا “القرار بين يديك”!
صيدا اليوم خالية من الحملة، كأنها بلدة وليست مدينة، وكأنّ الموسم لا يعنيها، أو أن الجميع بانتظار أن يُحسم أمرٌ ما… من جهةٍ ما.

ننتظر أن يخرج أحدهم من صمته ويقول: “أنا مرشّح، ولديّ مشروع”، ننتظر أن تعود روح المنافسة، أن تُطرح برامج لا شعارات، وأن تكون هناك معركة جدّية لا استراحة محاربين!

فلنقلها بصراحة:
لا أحد يملك حتى الآن مفاتيح اللعبة.
البعض قوي بالاسم، ضعيف بالواقع.
والبعض الآخر طموح، ولكن بلا غطاء.
اللعبة تُطبخ الآن على نار خفيفة، و”الطباخ” ما زال مجهول الهوية.

في النهاية، الكل أقل من العادة، ويبدو أن لا أحد فوقها.
والمشهد، برمّته، يحتاج إلى “هزّة بلدية” تعيد للمدينة وهجها، وللاستحقاق وزنه، وللسياسة طعمتها…
لأن صيدا لا تليق بها انتخابات باردة، ولا وجوه رمادية.

د. محمد حسيب البزري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى