لبنان على طاولة مجلس الأمن: أوقفوا إسرائيل وحاسبوها!
السبت 21/أيلول/2024
أكّد وزير الخارجية عبد الله بو حبيب أنّ تفجير إسرائيل لأجهزة “البيجر” والأجهزة اللاسلكيّة والخرق المتكرّر لجدار الصّوت والاعتداء الصاروخي على الضاحية كلّها هجمات غير مسبوقة، معتبراً أنّ اللجوء إلى تفجير آلاف أجهزة الاتصال من دون اعتبار لمَن يحملها يُعدّ أسلوباً قتاليًّا غير مسبوق في وحشيته وإرهابه ويُصنّف كجريمة حرب.
وقال بو حبيب خلال الجلسة الطارئة مجلس الأمن: “الهجمات الإسرائيلية نسفٌ لمهمّة الوسطاء الذين يعملون على وقف لإطلاق النار في غزة وجنوب لبنان وكلّ محاولات الحكومة اللبنانية لخفض التصعيد وضبط النفس. وإسرائيل تُهدّد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري وتخرق المبادئ الأساسيّة للقانون الإنساني”، لافتاً إلى أنّها لا تلتزم بالقانون الدولي والإنساني ولا بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن وتتجاهل الشرعيّة الدوليّة لأنّها اعتادت على ألا تحاسبها الدول ولا يمكن قبول هذه الحقيقة كأمر واقع ولا يمكن السماح لاستمرار إسرائيل في الإفلات من العقاب والمحاسبة.
وطالب بإدانة وحشية إسرائيل بصورة واضحة وصريحة وتحميلها المسؤولية الكاملة عن تخطيطها وتنفيذها الاعتداء السافر على سيادة لبنان وأراضيه، كما طالب بتجنّب اندلاع حرب إقليمية مدمّرة والحفاظ على مصداقية الأمم المتحدة، قائلاً: “نضع أنفسنا بتصرّف الأمم المتحدة ومصداقيتها فإمّا يفرض هذا المجلس على إسرائيل وقف عدوانها وحربها على كلّ الجبهات وعودة النازحين إلى بلداتهم إمّا نكون شهود زور على الانفجار الكبير الذي تلوح تباشيره في الأفق”.
وتابع: “لقد بحّ صوت اللبنانيين بأنّنا لسنا هواة حرب ولا ثأر بل نريد الحقّ ونطالب بعودة النازحين، فلتعلم إسرائيل مهما بلغت قوّتها بأنّها لن تُعيد نازحيها إلى قراهم بقوة السلاح بل ستهجّر من لم يتهجّر بعد إذا وسّعت اعتداءاتها وأنّ لا مكان لها في هذا الشرق إلا بالتصالح مع شعبه وليس فقط مع حكّامه”.
إليكم في ما يلي كلمة بو حبيب كاملة:
السيد الرئيس،
أصحاب المعالي والسعادة،
لم يعد أحد في هذا العالم بأمان بعد الهجمات الإلكترونية التي حصلت مؤخرا في لبنان وفاقت الخيال والتصور، وما نتج عنها من ضحايا مدنيين أبرياء بالآلاف من الجرحى، ومنهم أيضا” ضحايا من الأطفال، والنساء، والشيوخ. إن مسؤولية مجلس الأمن ليست فقط تجاه الأبرياء اللبنانيين الذين سقطوا ظلما”، بل بإتجاه الإنسانية جمعاء. فإذا مر هذا العمل الإرهابي في مجلسكم مرور الكرام، بلا محاسبة، وتم تجهيل الفاعل، وعدم ردعه وإدانته، وإرغامه على وقف هكذا إعتداءات، فإن مصداقية هذا المجلس، والقانون الدولي، وشرعة حقوق الإنسان، في خطر محدق. إن تقبلكم لما حدث يعني موافقتكم على فتح صندوق العجائب، حيث ستحذو دول ومجموعات متطرفة حذو إسرائيل، وتستهدف مدنيين من كل حدب وصوب بهذه التكنولوجيا الفتاكة، ولن يتمكن أحد من منع إستخدامها مستقبلا” لإستهداف طائرات مدنية، وقطارات، وخلافه لقتل المدنيين، وترويعهم بصورة عشوائية دون تمييز.
اليس هذا الإرهاب بعينه عندما يتم إستهداف شعب بكامله في مدنه، وشوارعه، وأسواقه، ومحلاته، وبيوته وهم يقضون إحتياجاتهم، ولا يقاتلون على الجبهات. يكفي لفهم ما حصل أن نتأمل بهوية الضحايا. فهل أصبح المطلوب اليوم إبادة وإعاقة الشعب اللبناني كعقاب جماعي. ومن حقنا أن نسأل اليس هذا السيناريو الذي صرح به كبار المسؤولين الإسرائيليين. إنظروا الى بشاعة ما حصل في هذه الصور….
وللإضاءة على ما حصل ونتائجه، في يوم الثلاثاء الموافق 17/9/2024، نفذت إسرائيل هجوماً إلكترونياً واسع النطاق، استهدف آلاف الأجهزة المحمولة المعروفة ب Pagers، مما أدى إلى تفجيرها. وفي اليوم التالي، بتاريخ 18/9/2024، قامت مرة أخرى بتفجير مئات الأجهزة اللاسلكية من نوع آخر، إضافة الى قيامها بتاريخ 192024/9/ بترويع سكان العاصمة بيروت وكافة المناطق، بتحليق الطيران الحربي على علو منخفض، وخرقه المتكرر لجدار الصوت، مما أدى الى حالات هلع، لا سيما لدى الأطفال. وبتاريخ اليوم نفذت إسرائيل إعتداء” صاروخيا” في عمق أكثر المناطق إكتظاظا” من الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، فدمرت مبنا” سكنيا”، وأوقعت في حصيلة أولية 12 ضحية منهم أطفال، و66 جريحأ.
هذه الهجمات أدت، حتى الآن، إلى وفاة عشرات الأشخاص، بينهم أطفال، ونساء، وإصابة آلاف الجرحى، ومنهم مئات في حالة خطرة، بالإضافة إلى مئات آخرين تعرضوا لتشوهات جسدية، أو فقدوا أحد أطرافهم، أو بصرهم بالكامل. وقد ترك هذا الهجوم المستشفيات والطواقم الطبية في حالة طوارئ غير مسبوقة، مستنفذاً قدرتها الاستيعابية. كما أثار الإعتداء حالة واسعة من الرعب والهلع بين المدنيين في كافة المناطق اللبنانية.
تأتي هذه الهجمات، التي تمثل سابقة خطيرة وغير مسبوقة في تاريخ الحروب، في أعقاب سلسلة من التصريحات الإسرائيلية بشن حرب واسعة على لبنان، وإعادته الى العصر الحجري. ولم تكتفِ إسرائيل بهذه الهجمات فحسب، بل تبعتها بإصدار تصريحات رسمية، وتغريدة لمستشار رئيس حكومتها تم حذفها لاحقا” بسرعة، تؤكد ضلوعها، وتحقيقها نتائج إيجابية من هذا العدوان، مما نسف بصورة متعمدة مهمة الوسطاء الدوليين الذين يعملون على وقف لإطلاق النار في غزة وجنوب لبنان، وكافة محاولات الحكومة اللبنانية لخفض التصعيد، وضبط النفس.
وفي هذا السياق، نشدد على أن اللجوء إلى تفجير آلاف أجهزة الاتصال عن بُعد بشكل جماعي وغادر، دون اعتبار لمن يحملها أو لمن يتواجد بالقرب منها، يُعد أسلوباً قتالياً غير مسبوق في وحشيته، وإرهابه. إن استهداف آلاف الأشخاص من مختلف الفئات العمرية، وفي مناطق واسعة ومكتظة بالسكان تشمل كافة المناطق اللبنانية، أثناء ممارستهم لحياتهم اليومية في المنازل، والشوارع، وأماكن العمل، ومراكز التسوق، هو الارهاب بعينه، وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، وشرعة حقوق الإنسان، ويُصنّف من دون أدنى شك كجريمة حرب.
فالبروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لعام 1949، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة، ينص في المادة 35 على “حق أطراف النزاع في اختيار وسائل وأساليب القتال ليس مطلقاً” ، مما يعني أن استخدام التفجير الإلكتروني لأجهزة الاتصال كأسلوب للقتال، وهو أسلوب غير تقليدي، يجب أن يخضع للقانونين الدولي والإنساني، لاسيما مبدأ الحماية ( Protection) أي تأمين الحماية للسكان المدنيين حسب المادة 48، ومبدأ الاحتياط (Precaution) ، أي أن يتخذ كل طرف في النزاع كافة الاحتياطات عند إدارة العمليات العسكرية لتجنب إحداث الخسائر في أرواح المدنيين، وإلحاق الخسائر بالممتلكات المدنية (المادة 57). كذلك ينص البروتوكول الأول الإضافي في المادة 51 على حظر أعمال العنف أو التهديد بالعنف التي تستهدف نشر الذعر بين المدنيين ، كما حظر في المادة 37 قتل الخصم أو إصابته أو أسره باللجوء إلى الغدر ، كذلك حظر في المادة 85 استهداف مواقع خالية من وسائل الدفاع. وأيضا” قامت اسرائيل من خلال هذا العدوان الارهابي بخرق المبادئ الاساسية للقانون الدولي الانساني لجهة عدم التمييز بين المدنيين والعسكريين (Distinction) حيث استهدفت المدنيين بصورة عشوائية، كما ان عملها هذا لم يكن ما يبرره (Necessity)، اضافة الى انه لم يكن متناسبا” (Proportionality).
السيد الرئيس،
لقد أصبح من الواضح أن إسرائيل لا تلتزم بالقانونين الدولي والإنساني، ولا بالقرارات الصادرة عن أجهزة الأمم المتحدة، وأنها لطالما تجاهلت وتتجاهل الشرعية الدولية، وحقوق الإنسان لأنها إعتادت أن لا تحاسبها الدول على أفعالها، حيث تصدر مواقف خجولة تجاه إرتكاباتها لا تتعدى الأسف، مما يشجعها على الإستخفاف بقرارات الشرعية الدولية التي لم ينفذ أي منها بحق إسرائيل منذ العام 1948 أي قرار، فأصبحت الأخيرة دولة مارقة. ومع ذلك، لا يمكن قبول هذه الحقيقة كأمر واقع؛ إذ لا يمكن السماح لاستمرار إسرائيل في الإفلات من العقاب، والمحاسبة. فلم تتعلم إسرائيل شيئا” من إجتياحاتها المتكررة للبنان على مدى عقود من الزمن، حيث لم تحصد سوى الخيبات والهزائم، وآخرها هروبها من لبنان عام 2000 تاركة وراءها عتادها وسلاحها. فالمغامرة الجديدة التي تبشرنا بها إسرائيل، لن تكون سوى نسخة قبيحة عن سابقاتها، وتكرارا” لما حققته الحرب العقيمة على غزة وأطفالها، أي البؤس، والتطرف، والدمار. وقد تؤدي أيضا الى حرب إقليمية طاحنة، تختلف عن كل سابقاتها من حيث رقعتها الجغرافية على إمتداد الشرق الأوسط، وأنواع الأسلحة الفتاكة والدقيقة، وحجم الدمار، وأعداد الضحايا.
السيد الرئيس،
لقد بح صوت اللبنانيين حكومة وشعبا” بأننا لسنا هواة حرب، ولا سعاة ثأر، بل نطالب بالعدالة والحل الدبلوماسي، وعودة النازحين الى قراهم. فلتعلم إسرائيل ومهما بلغت قوتها العسكرية والتكنولوجية بأنها لن تعيد نازحيها الى قراهم بقوة السلاح، بل ستهجر من لم يتهجر بعد إذا وسعت إعتداءاتها، وبان لا مكان لها في هذا الشرق إلا بالتصالح مع شعوبه، وليس فقط مع حكامه، من خلال إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة ودولتهم الموعودة من هذه المنظمة بالذات، منذ أكثر من 75 عاما”. فمهما طال الزمن وكثرت التضحيات، ستعود الحقوق الى أصحابها.
لقد جئنا اليكم اليوم ليس فقط دفاعا” عن لبنان وضحاياه الأبرياء، بل حفاظا” على إنسانيتنا جمعاء طالبين إدانة الهجمات الإسرائيلية الإرهابية بصورة واضحة وصريحة، وتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تخطيطها، وتنفيذها، وما تشكله من اعتداء سافر على سيادة لبنان، وسلامة أراضيه، وخرق صارخ لميثاق الأمم المتحدة، والقرار 1701 (2006). ويطالب لبنان أيضا” بوقف آلتها الحربية، لتجنب اندلاع حرب إقليمية مدمرة، وللحفاظ على مصداقية الأمم المتحدة، ودورها في صون الأمن والسلم الدوليين، والذي يظل لبنان مؤمناً بأهميته على الرغم من كل ما حدث، ويحدث. لسنا نبحث اليوم عن قرارات جديدة تبقى حبرا” على ورق، كما جرت العادة بكل أسف، بكل ما يتعلق بإسرائيل ومصالحها.
السيد الرئيس،
في الختام، شكرا من القلب الى الجزائر الشقيقة ممثلة المجموعة العربية في مجلس الأمن التي عودتنا على الوقوف الى جانب لبنان، ومساندته في السراء والضراء.
إنني أناشد أعضاء هذا المجلس أن يقفوا على الجانب الصحيح من التاريخ، وأن يدافعوا عن العدالة والسلام، وأن يدعموا لبنان في سعيه إلى تحقيق الأمن والاستقرار.لقد وصلنا اليوم الى لحظة الحقيقة، وجئنا لنضع أنفسنا بتصرف عدالة الأمم المتحدة، ومصداقيتها أمام العالم أجمع. فإما يفرض هذا المجلس على إسرائيل وقف عدوانها وتطبيقها لقراري مجلس الأمن 1701 و2735، ووقف حربها على كل الجبهات،وعودة النازحين الى بلداتهم، وإما نكون شهود زور على الإنفجار الكبير الذي تلوح تباشيره في الأفق. فإعلموا اليوم وقبل فوات الأوان بانه لن يوفر شرقا” ولا غربا”، ساعة لا ينفع الندم، ونعود جميعا” الى عصر الظلمات. الحرب من أمامكم والقرارين 1701 و2735 في أدراج مجلسكم. الخيار لمجلسكم، فهل سيتحرك مجلسكم الكريم بسرعة وحسم، فتقف طبول الحرب التي تدق أبواب الشرق الأوسط بأسره، أم سنبقى متفرجين على تدحرج كرة النار. الخيار لكم، فإختاروا ما بين السلام والنار. لقد أطلقت صرختي من على هذا المنبر، وأكررها للمرة الثالثة، ونحن في خضم الصراع “إعطوا السلام فرصة”… “إعطوا السلام فرصة” قبل فوات الأوان.
الم تشبع إسرائيل حروبا” وصراعاتا”، وقتلا”،ودمارا”. ألم يحن الوقت بعد لإختصار المسافات والعذابات علينا جميعا”، لنزرع بذور مستقبل أفضل لشعوبنا، ولنرفع أوزار هذا الصراع عن الأجيال القادمة…….وشكرا”…